للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لمَّا كان مِن شأنِ أبي بكرة والمغيرة بن شعبة الَّذي كان، قال أبو بكرة: اِجتَنِبْ أو تَنحَّ عن صلاتِنا، فإنَّا لا نُصلِّي خلفَك! قال: فكَتَبَ إلى عمر في شأنِه، قال: فكَتَبَ عمر إلى المغيرة: « .. أمَّا بعدُ، فإنَّه قد رُقِي إليَّ مِن حديثِك حديثٌ، فإنْ يَكُن مَصدوقًا عليك، فلَأن تكون مِتَّ قبل اليومَ خيرٌ لك!».

قال: فكَتَب إليه وإلى الشُّهودِ أن يُقبلوا إليه، فلمَّا انتهوا إليه، دعا الشُّهود فشَهِدوا، فشَهِد: أبو بَكرة، وشبل بن مَعبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر حين شهِد هؤلاء الثَّلاثة: «أَوْدُ المغيرةِ أربعةٌ!»، وشَقَّ على عمر شأنُه جدًّا، فلمَّا قام زِياد، قال: «لنْ تَشهدَ إن شاء الله إلَّا بحقٍّ»، ثمَّ شهِد قال: أمَّا الزِّنا فلا أشهَدُ به، ولكنِّي رأيتُ أمرًا قبيحًا، فقال عمر: الله أكبر! حدُّوهم! .. فجَلَدوهم» (١).

وعن أبي عثمان النَّهدي (٢) قال: «شهِد أبو بكرة، ونافع، وشِبل بن مَعبد، على المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم، أنَّهم نَظَروا إليه كما يَنظرون إلى المِرْوَد في المِكحَلَة، قال: فجاء زِياد -يعني رابعَ الشُّهداء- فقال عمر: «جاء رجلٌ لا يشهد إلَّا بالحقِّ!»، قال زياد: رأيتُ مجلسًا قبيحًا وانبهارًا.

قال أبو عثمان: فجَلَدَهم عمر الحدَّ» (٣).

وعن سعيد بن المسيِّب (٤) قال: «شهِدَ على المغيرة بنِ شعبة ثلاثةٌ بالزِّنا، ونَكَل زيادٌ، فحَدَّ عمر الثَّلاثة، وقال لهم: «تُوبوا تُقبَل شهادتكم»، فتابَ رجلان، ولم يتُبْ أبو بَكرة! فكان لا يُقبَل شهادتُه؛ وأبو بكرة أخو زيادٍ لأمِّه، فلمَّا كان مِن أمرِ زيادٍ ما كان، حَلَف أبو بكرة أن لا يُكلِّمَ زِيادًا أبدًا!» (٥).


(١) رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (ك: الحدود، في الشهادة على الزنا، كيف هي؟، رقم: ٢٨٨٢٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الحدود، باب شهود الزنا إذا لم يكملوا أربعة، رقم: ١٧٠٤٢).
(٢) أبوعبد الرحمن النَّهدي: عبد الرحمن بن مل بن عمرو الكوفي، سكن البصرة، من كِبار التَّابعين مخضرم، توفي (٩٥ هـ) وقيل قبلها، انظر «تهذيب الكمال» (١٧/ ٤٢٥).
(٣) رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (٧/ ٣٨٤، رقم: ١٣٥٦٦)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (رقم: ٢٨٨٢٢)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٧/ ٣١١، رقم:٧٢٢٧).
(٤) سعيد بن المسيِّب: من الفقهاء السبعة، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، وقال ابن المدينى: لا أعلم فى التابعين أوسع علما منه، توفي بعد (٩٠ هـ)، انظر «تهذيب الكمال» (١١/ ٦٦).
(٥) رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (ك: الحدود، باب قوله: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً}، رقم: ١٣٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>