للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان أبو بكرة رضي الله عنه بعد هذا إذا أتاه الرَّجل يستشهِدُه، قال له: «أشْهِد غيري، فإنَّ المسلمين قد فَسَّقوني» (١).

وفي روايةِ عبد الرَّحمن بنِ جَوْشَن (٢): «فقال أبو بكرة -يعني بعدما حَدَّه-: والله إنِّي لصَادِقٌ، وهو فَعَل ما شَهِد به» (٣).

يقول الذَّهبي عن إباءِ أبي بكرة استِتابةَ عمر له: « .. كأنَّه يقول: لم أقذِف المغيرة، وإنَّما أنا شاهدٌ، فجَنَح إلى الفرقِ بين القاذفِ والشَّاهدِ، إذْ نِصابُ الشَّهادةِ لو تَمَّ بالرَّابع، لتَعَيَّن الرَّجمُ، ولمَا سُمُّوا قاذفين» (٤).

فبيِّنٌ مِن مَاجْرَياتِ هذه القِصَّة أنَّ أبا بَكرة رضي الله عنه إنَّما جَلَده عمر رضي الله عنهم لنقصانِ النِّصاب، وإنَّما جاءَ شاهدًا هو إليه، لِظنِّه أنَّ مَعه ثلاثةً يَشهدون بما شَهِد، فعَدمُ توبتِه لا تأثيرَ له في قَبولِ روايتِه للحديث، لأنَّ كمالَ النِّصابِ ليس مِن فِعْلِه؛ والَّذي جَرَى أنَّ العَدد «لمَّا نَقُص، أجراهُم عمر رضي الله عنهم مَجرى القَذَفَة، وحَدُّه لأبي بكرة بالتَّأويل، ولا يُوجِب ذلك تَفسيقًا، لأنَّهم جَاؤوا مَجيءَ الشَّهادة، وليس بصَريحٍ في القذفِ، وقد اختلفوا في وُجوبِ الحدِّ فيه، وسُوِّغ فيه الاجتهاد» (٥).


(١) رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الشهادات، باب: شهادة القاذف، رقم: ٢٠٥٤٨)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٦٢/ ٢١٦).
(٢) من الوسطى من التابعين، كان صهر أبي بكرة على ابنته، وثقه أبو زرعة، انظر «تهذيب الكمال» (١٧/ ٣٤).
(٣) رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الحدود، باب شهود الزنا إذا لم يكملوا أربعة، رقم: ١٧٠٤٤).
(٤) «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٧).
(٥) «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>