للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذا قال أحمد بن حنبل: «لا يُرَدُّ خَبرُ أبي بكرةَ ولا مَن جُلِد معه، لأنَّهم جَاؤوا مَجيءَ الشَّهادة، ولمْ يأتوا بصريحِ القَذف، ويَسوغُ فيه الاجتهاد، ولا تُرَدُّ الشَّهادة بما يَسوغ فيه الاجتهاد» (١).

وقد عَلَّق ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ (ت ٥١٣ هـ) على كلامِ أحمدَ بقولِه: «لمَّا نَصَّ على أنَّه لا تُرَدُّ الشَّهادة في ذلك، كان تنبيهًا على أنَّه لا يُرَدُّ الخبَر؛ لأنَّ الخبرَ دون الشَّهادة، ولأنَّ نُقصان العَدد معنًى في غيره، وليس بمعنًى مِن جهتِه» (٢).

ووافقَهما أبو إسحاق الشِّيرازي (ت ٤٧٦ هـ) بقولِه: «أمَّا أبو بكرة ومَن جُلِد معه في القذف: فإنَّ أخبارَهم تُقبل، لأنَّهم لم يخرجوا مَخرجَ القذف، بل أخرجوه مَخْرجَ الشَّهادةِ وإنَّما جَلَدهم عمر رضي الله عنه باجتهادِه، فلم يَجُز أن يُقدَح بذلك في عدالتِهم، ولم يُرَدَّ خبرُهم» (٣).

وحاصلُ قولِ الفقهاءِ في هذا، أنَّ في إبطالِ خَبَرِ المَحدودِ في القَذْفِ تَفصيلًا:

فإنْ كان المَحْدودُ شاهدًا عند الحاكِم بأنَّ فلانًا زَنى، وحُدَّ لعدمِ كمالِ الأربعة: فهذا لا تُرَدُّ به روايتُه؛ لأنَّه إنَّما حُدَّ هنا لعدمِ كمالِ نصابِ الشَّهادةِ الَّذي ليس مِن فعلِه، إذْ لو كَمُلوا لحُدَّ المَشهودُ عليه دونه.

وإن كان القذفُ ليس بصيغةِ الشَّهادةِ، كقولِه لعَفيفٍ: يا زَانٍ .. يا عاهر، ونحو ذلك: فهنا تبطُل روايتُه للأخبارِ حتَّى يتوبَ وينصَلِح (٤).

وفي تقرير هذا التَّقسيمِ في حكم المَحدودِ في قذفٍ، يقول أبو الخطَّاب الكلوذاني:

«إذا كان الرَّاوي مَحدُودًا في قذفٍ، فلا يخلو أن يكونَ قَذَف بلفظِ الشَّهادة، أو بغير لفظِها.

فإن كان بلفظِ الشَّهادة: لم يُرَدَّ خبرُه، لأنَّ نقصان عددِ الشَّهادةِ ليس مِن فعله، فلَم يُرَدَّ به خبره، ولأنَّ النَّاس اختلفوا: هل يلزمُه الحدُّ أم لا؟ (٥)


(١) «الواضح في أصول الفقه» (٥/ ٢٧)
(٢) «الواضح في أصول الفقه» (٥/ ٢٧).
(٣) «اللُّمع» للشيرازي (ص/٧٧).
(٤) انظر «روضة الناظر» (١/ ٣٤٨ - بحاشية ابن بدران)، و «مذكرة أصول الفقه» للشنقيطي (ص/١٥١).
(٥) قال أبو ثور والظَّاهريَّة: لا يُحدُّ الشَّاهد بالزِّنا أصلًا، كان معه غيره أو لم يكُن؛ انظر «المحلى» لابن حزم (١٢/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>