للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان بغير لفظِ الشَّهادة: رُدَّ خبرُه، لأنَّه أتى بكبيرةٍ، إلَّا أن يتوب» (١).

ومع ما تقدَّم تقريرُه مِن اتَّفاقِ الأمَّةِ على قَبول أخبارِ أبي بكرة رضي الله عنه، مع كونِه محدودًا في شهادتِه على المغيرة: يَستنبِطُ الحصيفُ أنَّ الشَّهادةَ في هذا البابِ ليست كالرِّواية، فالمَحدود في الشَّهادةِ لعدمِ كمالِ النِّصاب إنَّما تُقبَل روايتُه دون شَهادتِه.

أمَّا القاذف بالشَّتمِ: فتُرَدُّ شهادته وروايته معًا، وبلا خِلافٍ، حتَّى يتوب (٢).

وقد مَرَّ معنا شاهدٌ لهذا التَّفصيلِ الفارقِ مِن كلامِ أبي بَكرة نفسِه، حيث كانَ يمْتَنِع عن الشَّهادةِ لأحدٍ (٣)، لكنَّه لم يَرد أنَّه امتنَع مِن تَحديثِ أحدٍ بما سَمِعه مِن مَولاه صلى الله عليه وسلم! ويكفي بهذا الفعل منه حُجَّةً على ما قرَّرناه.

ولنَأْتِ الآن إلى دَعوى المُعترضِ مُخالفةَ حديثِ أبي بَكرةَ للواقِع المُشاهَد مِن نَجاحاتِ بعضِ النِّسوةِ في تَدبيرِ الدُّوَل، فنقول:

مَن نَظَر إلى ما تَقتضيه أعباءُ السُّلطةِ مِن قَدْرٍ كبيرٍ من جزالةِ الرَّأيِ، وصَرامةِ العَزم، وهَيبةِ مَقامٍ في النُّفوس: عَرَفَ -لو صَدَق نفسَه- أنَّ المرأةَ لم تُخلَق لِأنْ تَتَولَّى الوِلايةَ المُطلقَة؛ لأنَّه يَعلمُ ما يغلِبُ عليها مِن رِقَّةِ العاطفةِ، وهَشاشةِ الطَّبعِ، وسرعةِ التَّأثُّر، وليس مِن شأنِ الرِّجال أصلًا أن يَهابوا مَكانَها الهَيْبةَ الَّتي تَلزَمُ السُّلطانَ تَدبيرًا وتنفيذًا.

فلأجلِ هذه النُّعوت عَلَّل العلماءُ «نهيَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمَّتَه عن مُجاراةِ الفُرسِ في إسنادِ شيءٍ مِن الأمورِ العامَّةِ إلى المرأةِ، وقد ساقَ ذلك في حديثِه بأسلوبٍ مِن شأنِه أن يَبعثَ القومَ الحَريصين على فلاحِهم وانتظامِ شملِهم على الامتثالِ: وهو أسلوبُ القطعِ، بأنَّ عَدَم الفلاحِ مُلازمٌ لتوليةِ المرأة أمرًا مِن سياساتِهم العامَّة» (٤).


(١) «التمهيد» للكلوذاني (٣/ ١٢٧).
(٢) انظر «المجموع» للنووي (٢٠/ ٢٣٧).
(٣) كما عند البيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الشهادات، باب: شهادة القاذف، رقم: ٢٠٥٤٨).
(٤) «موسوعة الأعمال الكاملة» للخضر حسين (٤/ ١/٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>