للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا النَّهي منه لا شكَّ أنَّه يشملُ كلَّ امرأةٍ في أيِّ عَصرٍ مِن العصور أنْ تَتولَّى أيَّ شيءٍ مِن الولاياتِ العامَّة، وهو عُموم مُستفادٌ مِن صيغةِ الحديثِ وأسلوبِه؛ فلا قيمة بعدُ لتأويلٍ يحصُر النَّهيَ في حالِ الفُرسِ فقط، أو في مَنصبِ الخلافةِ العُظمى فقط.

ذلك كلُّه تَحجيرٌ لإطلاقِ الحديثِ بلا دليلٍ، وهو خِلافُ ما فهِمَه الصَّحابة رضي الله عنهم وأئمَّة السَّلف مِن الحديث نفسِه، أوُّلهم راويه أبو بكرة رضي الله عنه، وهو أعلَمُ بما رَوَى، حيث لم يَستَثْني هؤلاءِ مِن عمومِ خَبرِه هذا امرأةَ، ولا قومًا، ولا شأنًا مِن الشُّؤون العامَّةِ، فهم جميعًا يَستدلُّون به على حُرمةِ تَولِّي المرأةِ للإمامةِ، والقَضاء، وقيادةِ الجيوشِ، وما إليها مِن سائرِ الولاياتِ العامَّة.

يقول أبو بَكر ابن العَربيِّ بعد سَوقِه حديثَ أبي بَكرة رضي الله عنه هذا: «هذا نَصٌّ في أنَّ المرأة لا تكون خليفةً، ولا خِلافَ فيه» (١).

فهذا إذن إجماعُ العلماءِ في كلِّ عَصر (٢)، يَشهَد له تاريخ الإسلام، منذ عهدِ النُّبوةِ إلى سقوطِ الخلافة: أنَّ امرأةً لم تُوَلَّ الإمامةَ أو الإمارةَ أو القضاء، ولو كانت هي مِن أصلح النَّاس وأعلمِهم؛ وفي تقريرِ هذه الدَّلالة مِن فعلِ المسلمين، يقول ابنُ قدامة: «لا تصلُح للإمامةِ العظمى، ولا لتوليةِ البلدان، ولهذا لم يُوَلِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ مِن خلفائه، ولا مَن بعدهم، امرأةً قضاءً، ولا ولايةَ بلدٍ فيما بَلغَنا، ولو جازَ ذلك لم يَخلُ منه جميعُ الزَّمان غالبًا» (٣).

أمَّا ما ينسِبُه البعضُ إلى ابن جرير الطَّبري مِن القولِ بصحَّةِ ولايتِها القضاءَ: فليس يَصحُّ النَّقل عنه بذلك.


(١) «أحكام القرآن» لابن العربي (٣/ ٤٨٢).
(٢) انظر نقل الإجماع في «الفِصل» لابن حزم (٤/ ٨٩)، و «شرح السنة» للبغوي (١٠/ ٧٧)، و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (١/ ٢٧٠).
(٣) «المغني» لابن قدامة (١٠/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>