وما يدَّعيه المُعترضُ مِن أنَّ بعض حكوماتِ النِّساءِ في بعضِ مَماليك أوروبا كانت أرقى مِن حكوماتِ الرِّجال:
فعلى التَّسليمِ بأنَّ تلك النَّماذج المَذكورةِ ناجحات فعلًا بالمِقياس الدُّنيويِّ، فإنَّه لا تَنافي بينها وبين الحديث، إذ هي خارجةٌ عن عمومِ مَدلولِه أصلًا! بيانُ ذلك:
أنَّ الحكمَ في الدُّوَل الغَربيَّةِ الدِّيموقراطيَّةِ حكمُ مُؤَسَّساتٍ لا فرد، والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يُفلِحُ قومٌ تملِكُهم امرأة»(١)؛ فمَن تَرأَّسْنَ حكوماتِ تلك البُلدان، هل يقول عاقلٌ: أنَّهنَّ يَملِكنَ قومَهنَّ؟!
لا يُقالُ عنهنَّ ذلك، ولا هنَّ أُسنِد إليهنَّ أمرُ شُعوبهنَّ، فإنَّ الأمرَ ليس بيدِهنَّ كلَّه، ولا جُمَعَت لهنَّ السُّلطات الثَّلاثة كما كان حالُ سابقِ الملوكِ قبل قرونٍ؛ إنَّما حَدُّ إحداهنَّ أن تكون مُنفِّذة لبرنامجِ أحزابِ أغلبيَّة، مُقيَّدة في اقتراحاتها بموافقةِ مُمثِّلين عن الرَّعية.
فرُبَّ قَرارٍ سَعَت في تنفيذِه، رَجَعَت عنه مُكرَهةً، لامتناعِ مجلس الشَّعب عن إقراره! ورُبَّ مَشروعٍ سَعت في نجاحِه، قد أدارَه الرِّجال مِن وراء حِجاب! ورُبَّ بَرلمانيٍّ عن بلدةٍ صَغيرة، يَستدعيها إلى مجلسِ مُسائلةٍ، لينتِفَ ريشَها على المَلَأِ! بل لعلَّه كان سَببًا في عزلِها بالمرَّة، إذا تَدَاعى له جمهورُ مَن معه تحت قُبَّةِ البرلمان!
هذا إن لم تكُن دولتُها نفسُها مُسَيَرَّة مِن دولةٍ هي أعظمُ منها تَرغيبًا وتَرهيبًا!
ثمَّ إنَّا نَقول: إنَّ مُدَّعِي شَرَف الفلاحِ لتلك العِلْجاتِ لا يَستحِضرُ مِن الفَلاح إلَّا ما كان مَاديًّا دنيويًّا، وكأنِّي به قد أغفَل «الفَلاح في لسانِ الشَّرع، وهو تحصيلُ خيرِ الدُّنيا والآخرة، ولا يَلزم مِن ازدهارِ المُلْكِ أن يكون القوم في
(١) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ٢٠٤٣٨)، وصحَّحه ابن حبان في (ك: الخلافة والإمارة، باب: ذكر الإخبار عن نفي الفلاح عن أقوام تكون أمورهم منوطة بالنساء، رقم: ٤٥١٦) والحاكم في «المستدرك» (رقم: ٧٧٩٠) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه».