وإنَّا لنأسفُ حين نُقرِّر هذا الكلام إذا كانت المرأةُ ستفهمُ مِنه أنَّها في نظرِ الإسلام مُهانة، أو أنَّها محرومةٌ عنده مِن وضعٍ تَستحقُّه؛ هذا غَلَط! فالنِّساء شقائقُ الرِّجال، ولهُنَّ مِن الحُرمة والمكانةِ والحقوقِ الفطريِّة ما يكفلُ لهنَّ السَّعادة والاستقرار، وتكليفُ الإسلام أنْ يُعَينَهُنَّ قاضياتٍ أو حاكماتٍ ظلمٌ للطَّبيعةِ، وافتياتٌ على المصلحة! وإنَّ مُجرَّد توليَةِ أهلِ الحلِّ والعَقدِ لامرأةٍ عليهم، لتملِكَهم وتُدَبِّرَ دولَتَهم، مع علمِهم بما يعتري النِّساء مِن تلك النَّواقص السَّالفة، هو في حدِّ ذاتِه مِن عَدمِ فلاحِهم!
فأمَّا أن يُعترَضَ على هذا ببَلْقيسَ ملِكة سَبأ، وكيف أنَّ القرآن امتَدَح مُلكَها:
فهو على ما فيه اعتراضٌ بمثالٍ واحدٍ لا يَرُدُّ ما قرَّرناه سابقًا؛ فإنَّ القرآن لم يمدَح فيها مُطلق حُكمِها، بل إيمانَها وتسليمَها لحكمِ ربِّها ونبيِّه سليمان عليه السلام.
وأمَّا إنقاذُها لقومِها مِن وَيْلاتِ الحربِ، وسَوقِهم بعدُ إلى الإسلام:
فإنَّا لا ندَّعي على المرأة أنَّها إذا تَوَلَّت فمصير أحكامِها الغَيُّ والخطأُ كلَّ مرَّة! ولا في الحديث ما يُفهِم ذلك؛ إنَّما دَلَّ خبر الحديث على نفيِ الفَلاحِ في حكمِها في الجملة، لا اطِّرادًا في كلِّ أحكامِها.
هذا بعد التَّسليم بأنَّ منعَ بَلْقيس للحربِ كان مِن باب الحكم الرَّشيد، فإنَّ ما فعلته قد كان -بمفهومِ العلاقاتِ الدَّولية- استسلامًا لقوَّةِ دولةٍ غازية!
ثمَّ أيُّ دولةٍ بَقِيَت لبلقيس لتُحكَمَها أصلًا؟! وقد انمَحت وصارت رقعةً مِن دولةِ سليمان عليه السلام؟!
وبغضِّ النَّظر عمَّا كان من مَآلِ تصرُّفِها مِن خيرٍ لها ولقومِها، فلا يُقال أنَّها فعلته رغبةً في دينِ سليمان عليه السلام وإلحاقِ قومِها به، بل كان منها فِعْلَ المَهزومِ بلا حربٍ، فـ «إنَّ المرأةَ لم تأتِ سليمانَ عليه السلام إذْ أتَته مُسلِمةً، وإنمَّا أسلَمتْ بعد مَقْدَمِها عليه، وبعد مُحاورةٍ جَرَت بينهما ومُساءلة»(١).