للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّها فوارق بين الجِنسينِ أزليَّةٌ أبديَّة، وخصائص قاهرةٌ لا يَدَ لإنسانٍ في تحويرِها، إلَّا حين يَستطيع تحويرًا في تركيبِ الدِّماغ وبنيةِ خلاياه -مثلًا-، أو حين يُبدِّل وظائفَ الأعضاء وفِطرة العواطف.

إنَّها فطرةٌ اقتضتها الحِكمة الإلهيَّة في التَّمييز بين الجِنسين بما تتطلَّبه عمارةُ هذا الكون، قائمةً على تقسيم الأعمال والوظائف، لتيسير كلُّ الكائناتِ إلى ما يُلائِمها وخُلق لها (١).

يقول محمَّد الغزاليُّ: «ستظلُّ المرأة هي اليد اليُسرى للإنسانيَّة، وسيظلُّ عملُها في البيتِ أكثرَ مِن عَملِها في الشَّارع، وسيظلُّ الرِّجالُ حمَّالي الأعباء الثِّقال في الشُّئون الخاصَّة والعامَّة، لأنَّ طاقةَ كلٍّ مِن الجنسين هكذا؛ ولأمرٍ ما لم يُرسل الله نبيَّةً مِن النِّساء، ولم يحكِ التَّاريخ إلَّا شواذًّا مِن الجنس النَّاعم قُمْن بأعمالٍ ضخمةٍ، على حين شُحِنت صفحاتُه بأسماءِ الرِّجال.

وإذا كانت المرأة لم تُختَر رسولًا، فقد استطاعت أن تكون زوجةً عظيمةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأن تُعينه إعانةً رائعةً على تبليغ الوحيِ وجهودِ النَّاس» (٢).

سَيثقُل هذا الحكمُ على نفوسِ النِّساء ونفوسِ الرِّجال الَّذين يُجاملونَهُنَّ، ولكن ماذا أعمل، وبين يَدَيَّ برهانٌ قاطعٌ ليس في استطاعتهنَّ أن يُنازعْنَني فيه، مع شدَّة ذكائهنَّ! ولا في استطاعِة أنصارهنَّ مِن الرِّجال أن ينَقضوه، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا!

لولا أن الرَّجل أقدر على التَّدبير والحكمِ مِن المرأة، «ما كان له عليها هذا السُّلطان وذلك الغَلَب، ولا استطاعَ أن يقودها وراءه كما يقاد الجَنيب، ولا أن يملكَ عليها أمْرَ فقرِها، وغِناها، وحبسها، وإطلاقها، وحجابها، وسُفورها، ويستأثر مِن دونها بوضعِ القوانين والشَّرائع الخاصَّة بها، مِن حيث لا ترى في نفسِها قوَّةً لدفعِها والخروج عليها» (٣).


(١) انظر مقال «المرأة والسياسة» لسعيد الأفغاني في «مجلة الرِّسالة» (العدد: ٦٤٧، ص/٣٣).
(٢) «من هنا نعلم» لمحمد الغزالي (ص/١٥٦).
(٣) «النَّظرات» لمصطفى لطفي المنفلوطي (١/ ٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>