للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم نُقدِّره بـ: (جائز)، فيكون الحديث بهذا أنَّ «الشُّؤمَ مَشروعٌ أو ضَرورةٌ في المرأةِ، والدَّارِ، والفرس»؟!

فإذا افترضنا أنَّ الحديثَ محتملٌ لكِلا هذين المَعنيَين في تقديرِ المَحذوف منه، فما المُوجِب العِلميُّ عند المُعترِضين لترجيحِ أحدِ التَّقديرين دون الآخر؟

فإن قالوا: الحديثِ أفادَ التَّقديرَ الثَّاني، وهو الظَّاهر مِن عبارتِه! فيُقال جوابًا لهم: إنَّ ظاهرَ النصِّ ما سَبَق إلى فهمِ قارئِه من معناه، وأفادَه مُرادَ صاحبِه، وهذا مَبنيٌّ على سياقِ كلامِه فيه، مع مُجمل كلامِه في باقي نصوصِه؛ بهذا يَتبيَّن لنا كون فهمِنا ظاهرَ النَّص أم لا.

خُذْ هذا التَّأصيلَ ونزِّله على حديثَنا هذا؛ هل ترى مُنصِفًا يَفهم مِن هذا الحديثِ أنَّ صاحبَه يُجيز الطِّيَرةَ في هذه الثَّلاثة؟ مع أنَّه قد صَدَّره بتحريمِ الطِّيرة مُطلقًا؟! حيث قال: «الطِّيَرة شِرك .. »؟!

هل بَلغت مِن سذاجةِ راوي الحديثِ أن يَأتي بجُملَتين مُتناقضين في الَخبرِ الواحدِ نفسِه، بحيث تُكذِّب إحداهما الأخرى في الحين، ثمَّ لا يَتَفطَّن لهذا التَّضاربِ ولا أحدٌ مِن الأئمَّة بعده؟!

فما الدَّاعي بعدُ لاختيارِ المعترض للتَّقدير الثَّاني غير الجهل أو الهوى؟! والنَّبي صلى الله عليه وسلم إنَّما ابتدأهم بنفي الطِّيرة، ثمَّ قال: «الشُّؤم في ثلاث .. »، قطعًا لتوهُّم المعنى المَنفيِّ في الثَّلاثة الَّتي أخبَر أنَّ الشُّؤم يكون فيها، فقال: «لا عدوى، ولا طِيرة، والشُّؤم في ثلاثةٍ .. »، فابتدأهم بالمُؤخَّر مِن الَخبَر تعجيلًا لهم بالإخبارِ بفسادِ العدوى والطِّيرة المتوهَّمة مِن قوله: «الشُّؤم في ثلاثة .. ».

وهذا من جميلِ الأوجهِ الَّتي قرَّرها ابن القيِّم مِن معاني الحديث (١)، وهو الَّذي أركُن إليه، والله أعلم بالصَّواب.

إنَّ التَّقدير الصَّحيحَ المُرشِدَ إلى المعنى الحقِّ مِن هذا الحديث هو ما يجعله موافقًا لباقي الأخبارِ الشَّرعية، غير مُصادمٍ لها، مَقبولًا مِن جِهة اللُّغةِ وأساليبِ


(١) «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>