للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعنى الحديث على هذا الوجه: أنْ لو كان الشُّؤم في شيءٍ حَقًّا، لكان في المرأة والَفرس والدار، والحاصلُ أنَّ الشُّؤمَ ليس في هذهِ الثَّلاثةِ ولا في شيءٍ، فغيرُ هذه أولى ألَّا يكون فيها!

يقول القاضي عياض: «وَجه تعقيبِ قولِه: «ولا طِيرة» بهذه الشَّرطية، يدلُّ على أنَّ الشُّؤم أيضًا مَنفيٌّ عنه، والمعنى: أنَّ الشُّؤمَ لو كان له وجود في شيءٍ، لكان في هذه الأشياء؛ فإنَّها أقبلُ الأشياء لها، لكنْ لا وجودَ له فيها، فلا وجودَ له أصلًا» (١).

كذا قيل؛ وهذا التَّوجيهُ وإن كان بادئ الرَّأي مَقبولًا، لكنَّه مُتَعَقَّبٌ بأنَّ روايةَ الشَّرطِ ليست نَصًّا في الاستثناء، لاحتمالِ أن تكون قد خرجت مَخرجَ قولِه الآخر: «قد كان فيمَن قبلكم مِن الأُمَم مُحَدَّثون، فإنْ يكُن في أمَّتي منهم أحَدُ فإنَّه عمر بن الخطَّاب»! (٢)

ولذا ارتأى شهاب الدِّين الآلوسيُّ (ت ١٢٧٠ هـ) لمعنى التَّعليق في هذه الرِّواية الَّتي بالشَّرط: أن تكونَ «للدَّلالةِ على التَّأكيدِ والاختصاصِ، نظيرُه في ذلك: إن كان لي صَديقٌ فهو زيد، فإنَّ قائله لا يريد به الشَّكَ في صَداقةِ زيد، بل المبالغةُ في أنَّ الصَّداقةَ مختصَّةٌ به، لا تَتَخطَّاه إلى غيره» (٣).

ولستُ أنزِعُ إلى ما جنح إليه الطَّحاوي -وتبِعه الألبانيِّ (٤) - من تَرجيح روايةِ الشَّرطِ على روايةِ الجزمِ، بدعوى أنَّ فيها زيادة علمٍ، مُؤيِّدين اختيارَهم بأمرين:

الأوَّل: بنُصوصِ النَّهي عن الطِّيَرة عامَّةً.

الثَّاني: بحديثٍ لعائشة رضي الله عنها: أنَّ رجلان مِن بني عامر دخلا علىها، فأخبراها أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه يُحدِّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «الطِّيرة في الدَّار، والمرأة، والفَرس»، فغضبِت! فطارت شُقَّة منها في السَّماء، وشقَّة في الأرض،


(١) «الكاشف عن حقائق السُّنن» للطَّيبي (٩/ ٢٩٨٤).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: الأنبياء، باب: حديث الغار، رقم: ٣٤٦٩).
(٣) «روح المعاني» (٥/ ٢٢١).
(٤) في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٦٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>