للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا أخرج روايةَ الإثباتِ الشَّيخان مِن حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

وأخرجها مسلم عن جابررضي الله عنه، وهذه كلُّها مَرَّت معنا عند سَوقِنا لأحاديث هذا الباب؛ وجاء أيضًا مِن روايةِ أبي هريرة رضي الله عنه، كما قد مَرَّ علينا في قصَّةِ سؤالِ الرَّجلين لعائشة عن روايتِه.

فهؤلاء نَفرٌ مِن جِلَّة الصَّحابة، قد رَوَوا حديثَ الإثباتِ والجزمِ، وليس هو راوٍ واحد حتَّى يَتطرَّق إليه احتمال الخَطأ فيُستَسهَل توهِيمُه؛ ولا يُعقل أن تُردَّ رواية جمعِهم لرواية واحد؛ وبهذا تعقَّبَ ابنُ الجوزي عائشةَ رضي الله عنها في ردِّها لروايةِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، لأنَّ ذلك -في حقيقتِه- «رَدٌّ لصريحِ خبرٍ رَواه جماعةٌ ثِقات، فلا يُعتمَد على ردِّها» (١).

وكون النَّبي صلى الله عليه وسلم أضافَ هذا القولَ إلى قول الجاهليَّة -كما في روايةِ عائشة عنه- لا يَلزم منه نَفْيُ باقي الرِّواياتِ في نسبةِ ذلك مِن قولهِ هو صلى الله عليه وسلم أيضًا! إذ لا تَعارض بين النِّسبتين؛ بل الصَّواب حملُ كلِّ روايةٍ على المعنى المُناسِب لها، إعمالًا لكلا الدَّليلين.

وهذا ما وُفِّق له غيرُ أربابِ هذا الوجهِ الأوَّل في أوجهٍ مِن التَّأويل أخرى لهذا الحديث، هي في التَّالي:

الوجه الثَّاني: أنَّ هذه الثَّلاثة في الحديث مُستَثناة مِن الطِّيرة، بمعنى: أنَّ الطِّيرة مَنهيٌّ عنها، إلَّا أن يكون له دارٌ يكره سُكناها، أو امرأة يكره صُحبتها، أو فَرس أو خادم كذلك، فليُفارِق الجميعَ بالبَيعِ، أو الطَّلاق، ونحوه، ولا يقيم على الكراهةِ والتَّأذي به، فإنَّه شُؤمٌ عليه بهذا الاعتبار من الكراهة.

فمِمَّن سَلَك هذا المَسلك في التَّوجيه:

أبو محمَّد ابن قتيبة (٢)، وكذا الخطَّابي في شرحِه للحديث حيث قال: «معناه: إبطال مَذهبهم في الطِّيرة بالسَّوانح والبَوارح من الطَّير والظِّباء ونحوها،


(١) «كشف المشكل» لابن الجوزي (٢/ ٢٦٨).
(٢) في كتابه «تأويل مختلف الحديث» (ص/١٦٩ - ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>