للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أنَّه يقول: إن كانت لأحدِكم دارٌ يكره سُكناها، أو امرأةٌ يكره صُحبتها، أو فَرَس لا يُعجبه ارتباطُه، فليفارِقها، بأن يتنقل عن الدَّار، ويبيع الفرس، وكان مَحلُّ هذا الكلام مَحلَّ استثناءِ الشَّيء مِن غيرِ جنسِه، وسبيله سبيل الخروج مِن كلامٍ إلى غيره» (١).

وقال: «اليُمْن والشُّؤم سِمَتان لمِا يصيب الإنسانَ مِن الخيرِ والشَّر، والنَّفع والضُّر، ولا يكون شيءٌ مِن ذلك إلَّا بمشيئةِ الله وقضائِه، وإنمَّا هذه الأشياء مَحالٌّ وظروف، جُعلت مواقعَ لأقضيتِه، ليس لها بأنفُسها وطباعِها فِعلٌ ولا تأثيرٌ في شيءٍ.

إلَّا أنَّها لمَّا كانت أغلبَ الأشياء الَّتي يقتنيها النَّاس، وكان الإنسان في غالبِ أحوالِه لا يستغني عن دارٍ يسكنها، وزوجةٍ يعاشرها، وفرسٍ يرتبطه، وكان لا يخلو مِن عارضِ مكروهٍ في زمانِه ودهرِه: أُضيفَ اليُمن والشُّؤم إليها إضافةَ مكانٍ ومحلٍّ، وهما صادران عن مَشيئةِ الله سبحانه» (٢).

يقول أصحاب هذا القول الثَّاني: مَزيَّة هذا التَّوجيه أنَّه مُوافق لحديثِ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قال رجلٌ: يا رسولَ الله؛ إنَّا كُنَّا في دارٍ كثيرٍ فيها عددُنا، وكثيرٌ فيها أموالُنا، فتحوَّلنا إلى دارٍ أخرى، فقلَّ فيها عددُنا، وقلَّت فيها أموالُنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذَرُوها ذَميمةً» (٣)!

وفي تفسيرِ هذا الأمرِ النَّبويِّ يقول ابن قُتيبة: «إنَّما أَمَرهم بالتَّحوُّل مِنها لأنَّهم كانوا مُقيمين فيها على استثقالٍ لظلِّها، واستيحاشٍ بما نالهم فيها، فأمَرَهم بالتَّحوُّل؛ وقد جَعل الله تعالى في غرائز النَّاس وتركيبِهم استثقالَ ما نالهم السُّوء فيه، وإن كان لا سببَ له في ذلك، وحُبَّ مَن جَرى على يدِه الخير لهم، وإن لم يُرِدهم به، وبُغضَ مَن جرى على يده الشَّر لهم، وإن لم يُردهم به» (٤).


(١) «معالم السُّنن» (٤/ ٢٣٦).
(٢) «أعلام الحديث» (٢/ ١٣٧٩).
(٣) أخرجه مالك في «الموطأ» (ك: الاستئذان، باب ما يُتقى من الشؤم، رقم: ٢٣)، وأبو داود في «سننه» (ك: الطب، باب في الطيرة، رقم: ٣٩٢٤) واللَّفظ له.
(٤) «تأويل مختلف الحديث» (ص/١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>