للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله قال القاضي عِياض: «قيل معناه: أنَّ هذه الأشياء مِمَّا يطول التَّعذُّب بها، وكراهة أمرِها، وذلك لملازمتِها بالسُّكنة والصُّحبة، وإنْ دَفَع الإنسان ذلك عن اعتقادِه، فكلامُه صلى الله عليه وسلم بذلك بمعنى الأمر بفراقِ ذلك، وزوالِ التَّعذب به، كما قال: اترُكوها ذميمةً .. » (١).

فعلى هذا الوجه تكون إضافة الشُّؤم إلى هذه الثَّلاثة في الحديث إضافة مَجازٍ وتوسُّع، بمعنى أنَّ الشَّر قد يحصل مُقارنًا لها وعندها، لا أنَّها هي عينُها مِمَّا يوجِب الشُّؤم؛ كأن تكون المرأة قد قدَّر الله عليها أن تتزوَّج عددًا مِن الرِّجال ويموتون معها! فلا بُدَّ مِن إنفاذِ قضائِه وقدرِه؛ فتُوصف المرأة بالشُّؤم لذلك، وكذلك الفَرس، وإن لم يكن لشيءٍ مِن ذلك في حقيقته فعلٌ ولا تأثيرٌ (٢).

هذا الوجه من المعنى قد نُقل مُسندًا عن مالكِ بن أنس، وأقرَّه أبو داود عليه، حيث رَوى عنه في «سُننِه» أنَّه سُئل عن هذا الحديث، فقال: «كم مِن دارٍ سَكَنها ناسٌ فهَلَكوا، ثمَّ سَكَنها آخرون فهلكوا» (٣).

يقول المازَريُّ: «أمَّا ذِكرُه الشُّؤمَ في الدَّار والمرأة والفَرس، فإنَّ مالكًا أخَذَ هذا على ظاهرِه ولم يتأوَّله، .. فإنَّ هذا محملُه على أنَّ المُراد به: أنَّ قَدَر الله سبحانه رُبَّما اتَّفق بما يكره عند سُكنى الدَّار، فيصير ذلك كالسَّبب، فيُتسامح في إضافةِ الشُّؤم إليه مجازًا واتِّساعًا» (٤).

وقال ابن العربيُّ في شرح كلامِ إمامِه: «ليس هذا مِن إضافة الشُّؤم إلى الدَّار، ولا تعليقه بها، وإنَّما هو عبارة عن جري العادة فيها، فيخرج المرء عنها صيانةً لاعتقاده عن التعلُّق بباطل .. وعن هذا وَقع الخَبر» (٥).


(١) «إكمال المعلم» (٧/ ١٥٠).
(٢) «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٢٥٥).
(٣) أخرجه أبو داود في (ك: الطب، باب: في الطيرة، رقم: ٣٩٢٢).
(٤) «المُعلم بفوائد مسلم» (٣/ ١٧٩)
(٥) «عارضة الأحوذي» (١/ ٢٨٢)، وانظر في هذا المعنى نفسه «المنتقى» للباجي (٧/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>