للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكِّد القرطبيُّ على أنَّ هذا هو المَعنيُّ من كلام مالكٍ فيقول: «يعني بذلك: أنَّ هذه الثَّلاثة أكثر ما يتشاءم النَّاس بها، لملازمتهم إيَّاها، فمَن وَقَع في نفسِه شيءٌ مِن ذلك فقد أباح الشَّرع له أن يتركه، ويستبدلَ به غيرَه ممَّا تطيب به نفسُه، ويسكن له خاطرُه، ولم يُلزمه الشَّرع أن يُقيمَ في موضعٍ يكرهه، أو مع امرأةٍ يكرهها، بل قد فسَح له في تركِ ذلك كلِّه، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيءٍ مِن هذه الأشياء أثَر في الوجود» (١).

والمُراد في المآلِ عند أصحاب هذا القول الثَّاني: حسمُ المادَة، وسدُّ الذَّريعة، لِئلَّا يوافِق شيء مِن ذلك القَدَر، فيعتقد مَن وَقع له أنَّ ذلك من الطِّيرة، فيقع في اعتقاده ما نُهي عن اعتقادِه -أي اعتقاد أنَّ هذه الأمور مُؤثِّرة بذاتِها، وشريرةٌ بطبعِها- فكان أن دلَّ عندهم الحديث بالإشارةِ إلى اجتنابِ مثل ذلك، وأنَّ الطَّريق فيمن وَقع له ذلك في الدَّار -مثلًا- أن يُبادر إلى التَّحول منها، لأنَّه مَتى استمرَّ فيها ربَّما حمله ذلك على اعتقادِ صحَّة التَّطير والتَّشاؤم (٢).

التَّوجيه الثَّالث للحديث: أنَّ المُراد بالشُّؤم فيه النَّكدُ والشَّقاء الَّذي يجده المرء لقلَّةِ الموافقةِ وسوءِ الطِّباع؛ وذلك أنَّه «قد يُسمَّى كلُّ مكروهٍ ومحذورٍ شُؤمًا ومَشأمة» (٣).

وهذا ما مال إليه الحَليمي في تفسيرِه الحديثَ بقوله: «إنَّ الشُّؤم الَّتي وُصفت هذه الثَّلاثة إنَّما هو المَضار والمفاسد، وليس مِن قِبَل الطِّيرة» (٤).

ويقول القاضي عِياض: «قد يكون الشُّؤم هنا على غيرِ المفهوم منه مِن معنى التَّطيُّر، لكن بمعنى قلَّة الموافقة وسوءِ الطِّباع» (٥).


(١) «المُفهم» (١٨/ ١٠٣).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٦٢).
(٣) «مطالع الأنوار» لابن قرقول (٦/ ٥).
(٤) «المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (٢/ ٢٠).
(٥) «إكمال المعلم» (٧/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>