للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود عندهم: أنَّ هذه الثَّلاثة المذكورة في الحديث مِن أوسعِ منابع الشَّقاء في حياةِ الإنسان، لمِا فيها مِن طولِ ملازمة وملابسةٍ للمرءِ طول عمرِه، وهو معنى ما نقله مَعمر بن راشد (١) عن بعضِ سَلفِه حين قال: «سمعتُ مَن يفسِّر هذا الحديث يقول: شُؤم المرأة إذا كانت غير وَلود، وُشؤم الفَرس إذا لم يُغز عليه في سبيل الله، وشُؤم الدَّار جار السُّوء» (٢).

فهذا التَّمثيل للثَّلاثة المذكور الوارد في هذا الأثرِ عن معمر مبنيٌّ على ما ذكروه من معنى الشُّؤم في هذا التَّوجيه الثَّالث، الَّذي هو بضدِّ اليُمن والبَركة.

وعليه قالوا: إنَّ المرأة العاقر، أو اللَّسِنة المُؤذية أو المُبذِّرة بمالِ زوجِها سفاهةً، ونحو ذلك؛ وكذا الدَّار الجدِبة أو الضَّيِقة، أو الوَبيئة الوَخيمة المَشرب، أو السَّيِئة الجيران، وما في معنى ذلك؛ وكذا الدَّابة الَّتي لا تلِد ولا نسل لها، أو الكثيرة العيوبِ الشَّنيئة الطَّبع، وما في معنى ذلك: كلُّ هذا شيءٌ ضَروريٌّ مُشاهد معلومٌ، ليس هو مِن باب الطِّيرة المَنفيِّة في النُّصوص الأخرى في شيء، ذلك أمرٌ آخر عند مَن يعتقده، يعتقد أصحابها بأنَّها نَحسات على صاحبها لذاتِها! وذلك مِن وحي الشَّيطان يوحيه إلى أوليائِه.

فالمقصود أنَّ الشُّؤم المُثبتَ في هذا الحديث عند أرباب القول الثَّالث أمر مَحسوس ضروريٌّ مُشاهد، ليس مِن باب الطِّيرة المَنفيَّة الَّتي يعتقدها أهل الجاهليَّة ومَن وافقهم (٣)؛ وإلى هذا المعنى كان مذهبُ تَقيِّ الدِّين السُّبكي (٤).

ويُشبه هذا التَّوجيه ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص يرفَعه: «مِن سعادةِ ابنِ آدم ثلاثة، ومِن شقوة ابن آدم ثلاثة، مِن سعادة ابن آدم: المرأة


(١) معمر بن راشد: الأزدي الحدَّاني مولاهم أبو عروة، عالِم اليمن، متقن ثقة في الحديث، قال أحمد بن حنبل: «لا تضمُّ معمرا إلى أحد إلا وجدته يتقدَّمُه»، وهو عند مؤرِّخي رجال الحديث أوَّل مَن صنَّف باليَمن، توفي (١٥٣ هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (٧/ ٥).
(٢) «التَّمهيد» لابن عبد البر (٩/ ٢٧٩).
(٣) انظر «معارج القبول» للحَكَمي (٣/ ٩٩٢).
(٤) انظر «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>