للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّالحة، والمسكن الصَّالح، والمركب الصَّالح، ومِن شقوة ابن آدم: المرأة السُّوء، والمسكن السُّوء، والمركب السُّوء» (١).

فإن قيل: فلِمَ اقتصر حديث «الشُّؤم في ثلاث» على ذكرِ الشِّقوة والمنافرة، دون ذكر السَّعادة والمُؤالَفة، كما في هذا الحديث الأخير؟

قلنا: لأنَّه مِن بابِ الاكتفاءِ بذكر أحَدِ الطَّرفين وإرادة ضدِّه معه! كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١]، أي: والبردَ (٢)، فحُذف البَرد اكتفاءً بذكر الحرِّ الدَّال على مُقابِله، «ولكن جرى ذكر الحرِّ، لأنَّ العرب كانوا في مكانِهم أكثرَ مُعَانَاةً له مِن البرد» (٣).

فكذا يُقال في هذا الحديث: قد جرى ذكر الشِّقوة والنَّكد فيه، لأنَّ النَّاس فيها أكثر مُعاناةً في هذه الثَّلاثة!

غير أنَّ أرباب هذا التَّوجيه الثَّالث يُنبِّهون إلى: أنَّ هذه الشِّقوة وعدمَ الموافقة الظَّاهرة المقصودة في الحديث، تختصُّ في كلِّ نوعٍ ببعضِه لا بجميعِه، فمصدرُ شقاءِ بعض النَّاس زوجتُه، ومصدر شقاء آخرينَ مسكنُه، وآخرون شقاءهم مركبُهم، وبه صرَّح ابن عبد البرِّ: «أنَّه يكون لقوم دون قوم، وذلك كلُّه بقَدَر الله تعالى» (٤).

وبالجملة؛ فإنَّ إخباره صلى الله عليه وسلم بالشُّؤمِ أنَّه يكون في هذه الثَّلاثة، ليس فيه إثباتُ.

وأمَّا التَّوجيه الرَّابع الأخير للحديث فمحصِّله: أنَّ التَّشاؤم مِن النَّاس كائنٌ في هذه الثَّلاثة عادةً.


(١) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم:١٤٤٥) وقال مُخرِّجوه: «حديث صحيح»، والطَّيالسي في «المسند» (رقم:٢٠٧)، وصححه ابن حبان في «صحيحه» (٩/ ٣٤١).
(٢) انظر «جامع البيان» لابن جرير (١٤/ ٣٢٢).
(٣) «معاني القرآن» للزَّجاج (٢/ ٢٥٥).
(٤) نقله عنه ابن حجر في «فتح الباري» (٦/ ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>