للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي أنَّ الحصر في هذه الثَّلاثة إنَّما مردُّه إلى عادة النَّاس، لا بالنِّسبة إلى حقيقتها وخِلْقَتها (١)، إذْ النَّاس مُتَشائِمون بغيرِها أيضًا، «وإنَّما خُصَّت هذه الثَّلاثة بالذِّكر لطولِ مُلازَمَتها» (٢)، و «لأنَّ ضَررَها أبلغُ مِن ضَررِ غيرِها» (٣).

فكأنَّ الحديثَ يقول على هذا المعنى: التَّشاؤم الباقي عند كثيرٍ مِن النَّاس هو في المرأةِ والدَّارِ والفَرس، فيكون خَارجًا مَخرجَ الإخبارِ، نائيًا عن مَخرجِ الإقرار، غايتُه جمعُ خَبرٍ عن غالبِ عادةِ ما يُتشاءَم به، فليس هو خَبرًا عن الشَّرع، والقصد منه إخبارُه صلى الله عليه وسلم عن الأسباب المثيرةِ للطِّيرةِ الكامنةِ في الغرائز، فأخبرنا بهذا لنأخذَ الحذَرَ منها (٤).

فعلى هذا الوجهِ يكون المعنى في روايةِ الشَّرط السَّابقة «إن يَكُن الشُّؤم في شيءٍ ... »: أي إنْ يَكُن الشُّؤم في شيءٍ باقيًا في عاداتِ النَّاسِ ونفوسِهم ففي هذه الثَّلاثة.

والقصد من بسطي القول في أوجه معنى هذا الحديث الشَّريف:

أوَّلًا: التَّنبيه على أنَّ مَن اعتقدَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسب الطِّيرة والشُّؤم إلى شيءٍ من الأشياء على سبيل أنَّه مُؤثِّر بذلك دون الله، فقد أعظم الفِرية على الله وعلى رسوله، وضَلَّ ضلالًا بعيدًا!


(١) «عارضة الأحوذي» لابن العربي (١/ ٢٧٩)
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٦١).
(٣) «تحفة الأبرار» للبيضاوي (٢/ ٣٣٢).
(٤) وبهذا تعلمُ أنَّ عَدَّ القرطبيِّ في «المفهم» (١٨/ ١٠٥) لهذا الوجه «ليسَ بشيءٍ؛ لأنَّه تعطيلٌ لكلام الشَّارع عن الفوائد الشَّرعيَّة الَّتي لبيانِها أرسله الله سبحانه وتعالى» غير سَديد منه، إذ لا إحالة لِأن يُخبر الشَّارع بمُنكرٍ مِن واقع النَّاس يريد بذلك تغيِيرَه أو التَّحذير منه، كقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح حديث أبي هريرة: «أربعٌ في أمَّتي لن يَدَعوها: التَّطاعن في الأنساب، والنِّياحة، ومُطرنا بنَوءِ كذا وكذا، اشتريتُ بعيرًا أجرب -أو فجرِب- فجعلتُه في مائةِ بعيرٍ فجربَت، مَن أعدى الأوَّل؟» أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ٩٨٧٢)، فليس هذا منه مجرَّد إخبارٍ عن واقع، ولكن ما يقتضيه من التَّحذير من تلك الأشياء المذكورة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>