للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: أنَّ مَن تأمَّل مجموعِ هذه الأوجه من معاني الحديث، تبيَّن للفاهمِ أنَّ الحديث لا يُزري بالمرأةِ أبدًا! ولا يُلصق الشَّر بها، ولا أنَّه ساواها بالجمادِ والحيوان -حاشاها- كما يشَنِّع به المُبطلون.

وإنَّما خُصَّت هي بالذِّكرِ مع سائر الأمورِ الثَّلاثة مُوافقةً: لطولِ مُلازمتها للمِرءِ (١)، أو لأنَّ ضَررَها إذا أضرَّته أبلغُ مِن ضَررِ غيرِها (٢)، أو لكون الإنسانِ لا يخلو مِن عارضِ مكروهٍ في زمانِه ودهرِه منها، فأُضيفَ اليُمن والشُّؤم إليها إضافةَ مكانٍ ومَحلٍّ ليس إلَّا؛ وفي هذا كلِّه إشارة إلى تحذيرِ النَّاس مِن اعتقادِ الشُّؤمِ فيها، وعدم نسبةِ الشُّرور الواقعةِ إليها بهذا الاعتبار؛ فهذا الحديث بهذا أحرى أن يكون دفاعًا عن المرأة لا كما يزعم المُعترضون!

فإن قيل: إن كان الأمر على هذا المعنى، فالرَّجل قد يكون شُؤمًا على المرأة كذلك! فلِم خُصَّت المرأة بالذِّكر في الحديث دون الرَّجل؟

فالجواب: لأنَّ المرأة مَطلوبة لا طالبة! شأنها في ذلك شأن الدَّار والفَرس.

فالرَّجل يأتيها ليأخذها عنده ليَصلُح بها شأنُه، كما أنَّه يأتي الدَّارَ فيشتريها أو يبتنيها، ويأتي الخيل فيقتنيها، كلُّ هذا ليَصلُح شأنُه؛ فإذا ما انقلب الحال ضدَّ ما ابتغاه، وفسُدت عليه مَعيشته مِن إحدى هذه المَطلوباتِ، وفشل مشروعُه منها في الحياة: تعكَّر عليه مزاجُه، وانقذف في قلبِه مِن الكُره لها بحسبِ ما يُلاقيه منها مِن أذى، فيحصُل أن يَزِلَّ إلى اعتقادِ الشُّؤم في إحداها لكبيرِ الواردِ الكريهِ على قلبِه، فهُنا نُبِّه إلى التزامِ الشَّريعة في ردودِ أفعالِه، وحُذِّر من الوقوع في مَناهيها، بما سبق بسطُه في ما مضى من أقوال العلماء، والله تعالى أعلم.


(١) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٦١).
(٢) «تحفة الأبرار» للبيضاوي (٢/ ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>