للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتأويل الحديث على هذا: أنَّ المرأةَ تَفتِن، والحمار يَنهق بأنكرِ الأصوات، مع لَجاجتِه وقِلَّة تأتِّيه عند دفعِه ومخالفتِه، والكلبُ يُروِّع فيُشوِّش الفكرَ في ذلك، مع نفورِ النَّفس منه، لاسيما الأَسْود، وكراهةِ لونِه، وخوفِ عادِيَتِه، حتَّى تنقطعَ عليه الصَّلاة بهذه الأمور وتَفسد، فلمَّا كانت هذه الأمور آيلةً إلى القطعِ، جعَلَها قاطعةً بهذا الاعتبار (١).

ومنهم من حَمَله على معنى نقصِ الصَّلاة لا نقضها: وهذا مذهب الشَّافعيِّ (٢)، ورجَّحه الخطَّابي (٣)، والبيهقيُّ (٤) وغيرهما (٥)، وحكاه النَّووي قولَ الجمهورِ (٦).

ووَجه النَّقصِ عند بعضِهم فيها: أنَّ القلب ينشَغِلُ بهذه الأشياء عن الإقبالِ على صلاتِه، والبُعدِ عن الاشتغالِ عنها، وقطعِها المُصلِّي عن مُواطأةِ القلبِ واللِّسان في الذِّكر، فذلك معنى قطعِها للصلَّاة.

ومثل هذا التَّعبير بهذا المعنى في كلامِهم شائعٌ مُستفيض، «فيقول القائل إذا تَكلَّم بين يَديه مُتكلِّم وهو مُقبل على صلاتِه: قطعتَ عليَّ صلاتي، أي: شَغلتَ قلبي عنها» (٧).

وقد تُعُقَّبَ هذا التَّوجيه لمعنى النَّقصِ في القطع: بأنَّ المُصلِّي قد يكون أعمَى! وقد يكون ذلك ليلًا في ظلمةٍ! بحيث لا يَشعُر به الَمارُّ ولا مَن مَرَّ عليه! مع أنَّ الحديثَ يَعمُّ هذه الأحوال كلَّها؛ وأيضًا: قد يكون غيرُ هذه الثَّلاثة أكثرُ إشغالًا للمُصلِّي، كالوحوش والخَيل المُسوَّمَة! ولا يقطع الصَّلاة مرورُ شيءٍ من ذلك.


(١) انظر «الإفصاح» لابن هبيرة (٢/ ١٩٠)، و «طرح التَّثريب» للعراقي (٢/ ٣٩١).
(٢) «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي (٣/ ٢٠٠).
(٣) «معالم السُّنن» (١/ ١٩١).
(٤) «معرفة السُّنن والآثار» (٣/ ٢٠٠).
(٥) انظر «المنتقى» للباجي (١/ ٢٧٧)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٢/ ٤٢٤)، و «المَسالك» لابن العربي (٣/ ١٠٦)، و «الفتح» لابن حجر (١/ ٥٨٩).
(٦) «شرح النَّووي على مسلم» (٤/ ٢٢٧).
(٧) «الميسَّر في شرح المصابيح» للتوربشتي (١/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>