للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا كان الأقربَ عندي مِن هذا التَّوجيه للنَّقص، ما أحسنَ ابنُ رَجبٍ صَوْغَه في بيانِ العِلَّة الَّتي لأجلِها خُصَّت هذه الثَّلاثة بالاحترازِ منها، في قولِه:

«لمَّا كان المُصلِّي مُشتغلًا بمناجاةِ الله، وهو في غايةِ القُربِ منه، والخُلوةِ به، أَمَر المُصلِّي بالاحترازِ مِن دخولِ الشَّيطانِ في هذه الخُلوة الخاصَّة، والقُربِ الخاصِّ؛ ولذلك شُرِعَت السُّترة في الصَّلاة، خشيةً مِن دخول الشَّيطان، وكونه وَليجةً في هذه الحال، فيقطع بذلك مَوادَّ الأُنسِ والقربِ؛ فإنَّ الشَّيطان رَجيم مَطرود مُبعَد عن الحضرة الإلهيَّة، فإذا تَخلَّل في محَلِّ القُربِ الخاصِّ للمُصلِّي، أوجَبَ تَخلُّلُه بُعْدًا وقطعًا لموادِّ الرَّحمة والقُربِ والأُنس.

فلهذا المعنى -والله أعلم- خُصَّت هذه الثَّلاث بالاحتراز منها، وهي:

المرأة: فإنَّ النِّساءَ حَبائلُ الشَّيطان، وإذا خَرَجت المرأة مِن بيْتِها استشرفَها الشَّيطان ..

والكلب الأسود: شَيطان، كما نصَّ عليه الحديث.

وكذلك الحمار: ولهذا يُستعاذ بالله عند سماع صوتِه باللَّيل، لأنَّه يَرى الشَّيطان.

فلِهذا أَمَر صلى الله عليه وسلم بالدُّنوِّ مِن السُّترة، خشيةَ أن يقطع الشَّيطان عليه صلاتَه، وليس ذلك مُوجِبًا لإبطالِ الصَّلاة وإعادتِها -والله أعلم- وإنَّما هو: مُنقِصٌ لها، كما نصَّ عليه الصَّحابة، .. كما سبق ذكرُه في مرورِ الرَّجل بين يَدَي المُصلِّي، وقد أَمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بدفعِه وبمقاتلتِه، وقال: «إنَّما هو شيطان» (١)، وفي رواية: «إنَّ معه القرين» (٢)، لكنَّ النَّقصَ الدَّاخلَ بمرورِ هذه الحيوانات -الَّتي هي بالشَّيطان أخصُّ- أكثرُ وأكثر؛ فهذا هو المُراد بالقطعِ، دون الإبطال والإلزام بالإعادة» (٣).


(١) أخرجه البخاري في (ك: الصلاة، باب: يرد المصلي من مر بين يديه، رقم: ٥٠٩)، ومسلم في (ك: الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، رقم: ٥٠٥).
(٢) أخرجه مسلم في (ك: الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، رقم: ٥٠٦).
(٣) «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>