وقريبٌ جدًّا مِن هذا التَّعليلِ النَّفيسِ لمعنى القطعِ: ما التَفت له بعضُ المتأخِّرين في شرحِ الحديث، حين أجرى القطعَ على حقيقتِه؛ لا بمعنى الفسادِ للصَّلاة، ولا بمعنى قطعِ الخشوع، ولكن بمعنى قَطعِ الوَصلةِ الَّتي بين المُصلِّي وربِّه حين يُناجي وهو بينه وبين القِبلة، والرَّحمة الَّتي تُواجهه كلُّها عبارةٌ عن تلك الوَصلة، فإذا مرَّ بين يَديَه تلك الأشياء الثَّلاثة، فقد قطعتْ تِلك الوَصلة حقيقةً.
وفي تقرير هذا المعنى اللَّطيف لقطعِ الصَّلاة في الحديث، يقول الكَشميريُّ:
«إنَّ المُصلِّي يُناجي ربَّه ويواجهه، كما أخرج أبو داود عن سهل رضي الله عنه في باب الدُّنو من السُّترة: «إذا صلَّى أحدُكم إلى سُترة، فليَدنُ منها، لا يقطع الشَّيطان عليه صلاته»؛ فتِلك المناجاة والمواجهة قائمة بينه وبين القِبلة ما دام يُصلِّي، فإنَّ ربَّه بينه وبين القبلة.
ولذا حَكَم الشَّرع على المارِّ أنَّه شيطان، لأنَّه مرَّ بين العبد ومَولاه، فأراد أن يحصُرَ تلك المواجهة، لِئلَّا يضيق الطَّريق على المارِّين، .. فأَمَر المارَّ أن لا يمُرَّ بين يَدي سُترة، ولكن يمرُّ وراءها، وهدَّده وحذَّره ووعَده، فلو مَرَّ بعد هذه التَّمهيدات (١) أيضًا، لم يكُن إلَّا شيطانًا مقصودُه الحيلولة بينه وبين ربِّه، وقطعُ تلك الوَصلة الَّتي قامت في الصَّلاة، وهو عند أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا قال:«مَن استطاع منكم أن لا يَحول بينه وبين قبلتِه أحدٌ فليفعلْ».
وعلى هذا لا أتأوَّل في أحاديثِ القطع، وأحملُها على ظاهِرها.
وأقول: إنَّ المرأة والكلب والحمار كلُّها تقطع الصَّلاة، أي: تلك الوَصلة، وهذا كما إذا جَرى بينك وبين أحدٍ مُحادثة، فلو قَعد رجلٌ في الوَسط، تراه أنَّه قَطَع كلامَك ومحادثَتك، فهو أيضًا نوعٌ مِن القطعِ أيضًا بدون تأويل، ولا بُعد فيه، فإنَّ الشَّريعة قد تُخبر عن الغائباتِ بما تراه ولا نَراه، فأخبَرَت بإقامةِ
(١) كذا في الأصل المطبوع، وتحتمل عندي أن تكون: «التَّهديدات».