للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَصلة، وكذلك أخبرت بقطعِها عند المرور، فما لنا أن نُنكِرَه أو نؤوِّلَ فيه؟!» ا. هـ (١).

قلتُ: ومَع كلِّ هذه التَّأويلات للحديث، فما ضَرَّ الحديثَ إن جَهلِنا نحن حِكمتَه!

فإنَّ تَعليلَ الأحكامِ الشَّرعيَّة يكون مَعلومًا لنا تارة، ومجهولًا لنا أخرى، وقد يكون مَعلومًا لكلِّ أحدٍ بأدنى نَظَر، وقد يكون مَعلومًا لأناسٍ دون غيرهم.

والعلماء سمَّوا ما لا تُعقَلُ عِلَّتُه بـ «الحكمِ التَّعبُّدي» (٢)، وهو ما تَمحَّضَ للتَّعبُّد بامتِثالِه كما جاء، دون معرفةٍ لحقيقةِ معناه، وإن كان لا بُدَّ له مِن معنى في نفسِه، لاستحالةِ العَبث على الله تعالى، لكنَّه قد لا يُدرَك لدِقَّتِه (٣).

فلا ريبَ أنَّ حديث القطعِ هذا، سواء كان مَعلومَ العِلَّة أو تَعبُّديًّا، فإنَّا نَتلقَّاه على الرَّأس والعَين كما تلقَّته العلماء، وإن اختلفوا بين مُتأوِّلٍ له -وهم الجمهور- وقائلٍ بالنَّسخ.

أمَّا عَدى هؤلاءِ مِمَّن رَأى لفظَ القطعِ في الحديث على معنى إفساد الثَّلاثة المذكورة في أحاديث القطعِ للصَّلاة حقيقةً (٤)، أو ببعضِها دون الآخر (٥)، فقد أجابوا هم أيضًا عمَّا ظاهرُه المعارضة لذلك، وجمعوا بين النُّصوص في هذا الباب، أن منعوا تنزُّلَ حكمِ حديث أبي ذرٍ وأبي هريرة على حَدِيثي عائشة وابن عبَّاس، ما لا يتَّسِع له المقامُ لبسطِ أقوالِهم فيه.


(١) «فيض الباري» (٢/ ١٠٦).
(٢) انظر «شرح مختصر الرَّوضة» للطوفي (٣/ ٣٨٧ - ٣٨٨)
(٣) انظر «حاشية العطَّار على شرح المحلِّي على جمع الجوامع» (٢/ ٢٤٤).
(٤) رُوي ذلك عن أنس بن مالك، وأبي الأحوص، والحسن البصري، كما في «مَعالم السُّنن» (١/ ١٨٩)، و «الاستذكار» (٢/ ٨٤)، ورواية عن أحمد كما في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٥/ ٣٣٩)، و «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ١٢٦)، وهو قول ابن حزم في «المحلى» (٢/ ٣٢٠)، وابن تيمية كما في «القواعد النورانية» (ص/٣٢).
(٥) وهي الروايةٍ الأخرى عن أحمدَ في «مسائل الكوسَج» (٢/ ٦٤١) قال: «ما أعلمُه يقطعُها إلَّا الكلب الأسود الَّذي لا أشكُّ فيه، وفي قلبي مِن الحمار والمرأة شيء»، وهذا المَشهور مِن مذهب الحنابلة، كما في «المغني» لابن قدامة (٢/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>