للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشَّاهد من سَوقِي لأقوالِهم تلك:

أنَّ أحدًا منهم ما رَدَّ حديثًا بحديث! بل مُعتَصمُهم الجمعُ بين أحاديث هذا الباب، كلٌّ حَسَبَ ما أتاه الله من آلةِ فهمٍ وإدراك، والله يجزيهم عنَّا وعن الإسلام خير الجزاء.

فإن قال قائل: فقد أنكَرَت عائشة رضي الله عنها حديثَ القطع بالثَّلاثة بأن قالتِ غاضبةً: «قد شبَّهتُمونا بالحمير والكِلاب»!

قُلنا: الَّذي أنكرته عائشة: ما سمعته مِن فَتوىً بقطعِ المرأة للصَّلاة، ولم يُنقَل لها حديثٌ في هذا البابِ لتُنكِرَه أصلًا!

بيانُ ذلك: في ما جاء عن عروة بن الزُّبير، قال: قالت عائشة: ما يَقطعُ الصَّلاة؟ قال: فقُلنا المرأة والحمار، فقالت: «إنَّ المرأة لدابَّة سوء .. » (١).

وعن الأسود، عن عائشة، (بَلَغها أنَّ ناسًا يقولون): إنَّ الصَّلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة، قالت: ألا أُراهم قد عَدَلونا بالكلاب والحمر .. » (٢).

وعن القاسم قال: بلَغ عائشة رضي الله عنها أنَّ (أبا هريرة رضي الله عنه يقول): إنَّ المرأة تقطع الصَّلاة، فقالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي فتقعُ رجلي بين يديه .. » (٣).

فكما يظهر مِن هذه الرِّوايات جَليًّا: أنَّ عائشة رضي الله عنها لم تُذكَر لها روايةٌ واحدة لحديثٍ مُسندٍ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم حتَّى ترُدَّه، إنَّما أجابت عمَّا سمعته مِن حكمِ بعض النَّاسِ بإفسادِ المرأة لصلاة الرَّجلِ، فشَنَّعت على قائلِ ذلك، ورَدَّت قوله بما فهِمته من فعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم معها والمُقتضي لعدم قطعِها للصَّلاة، بِغضِّ النَّظر عن صحَّةِ فهمِها لِما رأته، فهي مجتهدةٌ تَدور في ذلك بين الأجر والأجرين، وقد «استَدلَّت بحديثِها هذا على أنَّ المرأة لا تقطع الصَّلاة، وأنكرت التَّسويةَ بين المرأةِ والحمارِ والكلبِ في ذلك، وهذا يُشعِر بمُوافقتِها على الحمارِ والكلبِ» (٤).


(١) أخرجه مسلم في (ك: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، رقم: ٥١٢).
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ٢٤١٥٣)، وقال مخرِّجوه (٤٠/ ١٨٤): إسناده صحيح.
(٣) أخرجه ابن عبد البر في «التَّمهيد» (٢١/ ١٦٦).
(٤) «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>