للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث في الأمصارِ (١)، كأبي حنيفة (٢)، ومالك (٣)، والشَّافعي (٤)، وأحمد (٥): هؤلاء قالوا أنَّ الرَّضاع لا يُحرِّم إلَّا ما كان في مُدَّتِه مِن الحَولين.

وأسَّسوا مَذهبَهم هذا على أدلَّةٍ مِن الكِتاب والسُّنة؛ فمِن القرآن:

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣].

ففي هذه الآية أنَّ إتمامَ الرَّضاعة على الحَوْلين، ولازمه مِن جِهة المفهومِ نفيُ الزِّيادة وإلغاءُ أثرِها؛ كما يوضِّحه أبو العبَّاس القرطبي في قوله: «هذه أقصى مدَّة الرَّضاع المحتاجِ إليه عادةً، المُعتبرِ شرعًا، فما زادَ عليه بمدَّةٍ مؤثِّرةٍ غير مُحتاجٍ إليه عَادةً، فلا يُعتَبر شَرعًا، لأنَّه نادرٌ، والنَّادرُ لا يُحكَم له بحكمِ المُعتادِ» (٦).

وأمَّا مِن السُّنة: فخبر عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجلٌ قاعد، فاشتَدَّ ذلك عليه، ورأيتُ الغَضَب في وجهِه، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّه أخي مِن الرَّضاعة، فقال: «اُنظُرْنَ مَن إخوَتُكنَّ مِن الرَّضاعة، فإنَّما الرَّضاعة مِن المجَاعة» (٧).

ومعناه: أنْ يتأمَّلْنَ ما وَقَع مِن ذلك الرَّضاع: هل هو صحيحٌ بشرطِه مِن وقوعِه في زَمن الرَّضاعة، ومِقدار الارْتِضاعِ؟ فإنَّ الحكم الَّذي يَنشأ مِن الرَّضاع إنَّما يكون إذا وقع الرَّضاع المُشترَط، ومِن شرطِ ذلك: أن يكون في الَّذي إذا


(١) انظر «الجامع» للترمذي (٣/ ٤٥٠)، و «الاستذكار» لابن عبد البر (٦/ ٢٥٦).
(٢) انظر «المبسوط» للسرخسي (٥/ ١٣٦).
(٣) انظر «المدونة» (٢/ ٢٩٧)
(٤) انظر «الأم» (٥/ ٣٠).
(٥) انظر «مسائل الإمام أحمد» للكرماني (٢/ ٧٨٢).
(٦) «المفهم» (١٣/ ٤٢).
(٧) أخرجه البخاري في (ك: الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم، رقم: ٢٦٤٧)، ومسلم في (ك: الرضاع، باب: إنما الرضاعة من المجاعة، رقم: ١٤٥٥) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>