للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاعَ كان طعامُه الَّذي يُشبِعه هو اللَّبَن مِن الرَّضاع، وليس حيث يكون الغِذاء بغيرِ الرَّضاع.

فكأنَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا رَضاعةَ مُعتبرةٌ إلَّا المُغنية عن المَجَاعة، وذلك حيث يكون الرَّضيع طفلًا يَسدُّ اللَّبَنُ جوعَتَه، لا حين يكون الغِذاء بغيرِ الرَّضاع في حالِ الكِبَر، لأنَّ مَعِدَة ذاك ضعيفةٌ يكفيها اللَّبن، وبه يَنبتُ لحمُه، وبهذه التَّغذية من اللَّبن يَصير جُزءً مِن المُرضِعَة، فيشتركُ بهذا في الحُرمةِ مع أولادِها (١).

ولا شكَّ في كونِ مُطلَقِ الأمرِ بالتَّحقُّقِ مِن وقوعِ الرَّضاعةِ في زَمن المَجاعةِ شاملًا لعائشةَ رضي الله عنها وغيرِها، وتأكَّدت دَلالةُ الأمرِ على الوجوبِ فيه برؤيةِ الغضبِ في وجهِه صلى الله عليه وسلم، واشتدادِ الأمرِ عليه؛ هذا مع كونِه صلى الله عليه وسلم لم يَستيقِن بَعدُ عَدمَ الأُخوَّة (٢).

ومِمَّا استَدلَّوا به أيضًا من الآثار: قول ابنِ مسعود رضي الله عنه: «لا رضاع إلَّا ما شَدَّ العظمَ، وأنبتَ اللَّحمَ» (٣).

وكذا حديث أمِّ سَلَمة رضي الله عنها مَرفوعًا: «لا رضاع إلَّا ما فَتَق الأمعاء في الثَّدي، فكان قبل الفِطام» (٤).

وما وَرَد عن ابن عبَّاس رضي الله عنه مَوقوفًا ومَرفوعًا: «لا رضاع إلَّا ما كان في الحَوْلين» (٥).


(١) انظر «شرح البخاري» لابن بطَّال (٧/ ١٩٧ - ١٩٨)، و «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٤٨).
(٢) انظر «الفتح الرَّباني من فتاوي الشَّوكاني» (٧/ ٣٥٠١).
(٣) أخرجه أبو داود في (ك: النكاح، باب: في رضاعة الكبير، رقم: ٢٠٥٩)، وبنحوه أحمد في «المسند» (رقم: ٤١١٤)، وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود ـ الأم» (رقم:١٧٩٨).
(٤) أخرجه الترمذي في (ك: الرضاع، باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين، رقم: ١١٥٢)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وابن ماجه في (ك: النكاح، باب: لا رضاع بعد الفصال، رقم: ١٩٤٦) دون الجملة الأخيرة.
(٥) أخرجه الدارقطني في «السُّنن» (ك: الرضاع، رقم: ٤٣٦٤) مرفوعا عن ابن عباس، وصحَّحه ابن القيم في «زاد المعاد» (٥/ ٤٩٣)، لكن البيهقي في «الكبرى» (٧/ ٧٦١، رقم: ١٥٦٦٨) جَعلَ الموقوف هو الصَّحيحَ، وهو ما رجَّحه ابن عبد الهادي في «المحرَّر» (رقم: ١٠٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>