للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسمع لـ (وُل دْيُورَانْت) يقول في كتابِه الشَّهير «قصَّة الحضارة»: «إنَّ المُناخَ من العوامل الَّتي تؤثِّر في الأخلاق الفرديَّة، ولعلَّ حرارة الجوِّ في بلاد العرب كانت من أسباب تقوية الغريزة الجنسيَّة، والنُّضج المُبكِّر .. وكانت البَنات يُزوَّجْن في العادةِ قُبَيل سِنِّ الثَّانية عشرة، ويُصبحن أمَّهاتٍ في الثَّالثة عشرة أو الرَّابعة عشرة، ومُنهنَّ مَن كُنَّ يتزوَّجن في سِنِّ التَّاسعة أو العاشرة» (١).

وتقول المُستشرقة البريطانيَّة (كارين أمْسترُونج):

«لم تَكُن خطبةُ محمَّد صلى الله عليه وسلم عائشة أمرًا عجيبًا، حيث عُقِدت زيجاتٌ لفتياتٍ أصغرَ مِن عائشة، لتوثيقِ تحالفاتٍ أو لغير ذلك، استمرَّت هذه الممارسة في أوربا إلى ما بعد بدايةِ العصرِ الحديث، ولم يكُن هناك شَكٌّ أنَّ إكمالِ الزَّواج لم يَتمَّ، إلَّا عندما تخطَّت عائشة سِنَّ البلوغ، عندما كان يُمكن أن تتزوَّج مثل أيِّ بنتٍ أخرى» (٢).

فهذا ما أردتُ التَّنبيه عليه: أنَّ في إرجاءِ دخولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بعد عَقدِ زواجِهما بثلاثِ سنين كاملاتٍ، لخَيرُ دليلٍ على مُراعاتِهم لقدرةِ عائشة على تكاليفِ الزَّوجية، ولو كان الغَرَض تفريغُ شهوةٍ في طفلةٍ غَريرةٍ كما يزعُم الأفَّاكون، لأخَذَها وهي بنتُ سِتٍّ، فما الفرق إذن؟!

لقد كانت عائشة رضي الله عنها على صِغَر سِنِّها ناميةً ذلك النُّموَّ السَّريع الَّذي تنموه نساء العَرب، والعِبرة بالمرأةِ في قِطعتها وعقلِها، لا في عُمْرِها، وعائشةُ وإن كانت صَغيرة السِّن، لكنَّها اختُصَّت بعقلٍ فاقَ كثيرًا مِن الأشياخ، وفي بحرِ علومِها الَّتي بثَّته مِن بيتِ زوجِها لَخيرُ شاهدٍ.

يقول (محمَّد الغزالي)، ولَنِعْمَ ما قال:

«إنَّ عائشة يومَ بَنَى بها الرَّسول، كانت أهلًا للزَّواج يَقينًا، وما نَشُكُّ في أنَّ الدَّافع الأوَّلَ لهذا الزَّواجِ كان تَوثيقَ العلائقِ بين النَّبي الكريم وصاحبِه الأوَّل،


(١) «قصة الحضارة» (١٣/ ٦١، ١٣٨).
(٢) «محمد نبي الزمان» لكارين أمسترون (ص/٩٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>