للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الدَّافع لتزوُّجه مِن حفصة بنتِ عمر بن الخطاب لمَّا آمَت مِن زوجِها، ولم تكُن حفصة امرأةً ذاتَ جمالٍ، ولكن هذا العُنصر لم يكُن المانع مِن هذه، ولا الدَّافع إلى تلك» (١).

نعم؛ لو كان غَرَض النَّبي صلى الله عليه وسلم تَتبُّعَ مَبارِدِ شَهوتِه، والتَّلهِي بغرائزِ صَبْوتِه، لاتَّخذَ لنفسِه بِكْرًا حسنةً في كلِّ مرَّةٍ يَتَزوَّج! وهو الَّذي لَبِث -بأبي هو وأمِّي- خمسًا وعشرين سنةً مع زوجِه الثَّيبِ الأولى وهي تكبره في السِّن رضي الله عنها، لم تُحدِّثه نفسُه أن يُدخِلَ عليها بِكْرًا!

فلمَّا ماتت رضي الله عنها، لم يَتزوَّج بعدها بِكرًا غير عائشة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُراعي في زواجِه اعتبارات اجتماعيَّة وسياسيَّة توحي له بتعزيزِ الرَّوابط حينًا، وجبرِ الكسورِ حينًا آخر، ومَدِّ الجسور بين صاحبِ الدَّعوة، وأشتاتٍ مِن الأتباع والأُسَر الَّتي تَزحمُ جزيرة العرب، في أيَّامٍ كانت مَليئةً بالأزماتِ والمُحرجاتِ.

وهنا يُعجِبني أن أسوق كلامًا حَسَنًا لعائشة بنت الشَّاطئ (ت ١٤١٩ هـ)، فهو على طولِه قد سدَّ ثقوبَ الفِكر الَّتي تسَّلَلَت من خلالِها شبهاتُ هذا الباب، فاحكمته بأحسنِ ما يكون البَيان، تقول فيه:

«لم تُدهَش مكَّة حين أُعلِن نبأُ المصاهرةِ بين أعزِّ صاحِبين وأوفى صَديقين، بل استقبلته كما تستقبلُ أمرًا طبيعيًّا مَألوفًا ومُتوقَّعًا، ولم يجِد فيها أيُّ رَجلٍ مِن أعداء الرَّسول أنفسِهم مَوْضعًا لمَقال، بل لم يَدُر بخَلَدِ واحدٍ مِن خصومِه الألدَّاءِ أن يتَّخذ من زواجِ محمَّد صلى الله عليه وسلم بعائشة مَطعنًا أو مَنفذًا للتَّجريحِ والاتِّهامِ، وهم الَّذين لم يتركوا سبيلًا للطَّعن عليه إلَّا سَلكوه، ولو كان بهتانًا أو زورًا.

وماذا عساهم يقولون؟! هل يُنكرون أن تُخطَب صبيَّة كعائشة لم تَتجاوز (التَّاسعة) مِن عمرها؟ .. وأيُّ عَجَبٍ في مثل هذا؟ وما كانت أوَّلَ صبيَّةٍ تُزَفُّ في تلك البيئة إلى رجلٍ في سِنِّ أبيها، ولن تكون كذلك أُخراهنَّ.


(١) «قضايا المرأة» لمحمد الغزالي (ص/٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>