للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِمَّا يؤكِّد خِفَّةِ ضبطِ ابن أبي الزِّناد للفارق العُمريِّ بين الأُختين في روايتِه نفسِها، قوله في آخرها: « .. عشر سنين أو نحوها» (١)، وهذا الشَّكُ أو الظَّن منه لا يجوز أن يرُدَّ ما جَزَم به الثِّقات في أخبراهم، على التَّنزُّلِ في كونِه ثِقةً كما أسلفنا.

ومع كلِّ هذا نقول: إنَّه على افتراض صحَّةِ روايةِ ابن أبي الزِّناد هذه، فإنَّه لا يستحيلُ الجَمعُ بينها وبين باقي الرِّواياتِ في سِنِّ عائشة عند الزَّواج! وذلك بأن يُقال:

كان مَولِدُ أسماء قبل البِعثة بستِّ أو خمسِ سنوات، وعائشة بعد البِعثة بأربع أو خمس سنوات، ولمَّا تُوفِّيت أسماء عامَ (٧٣ هـ) (٢)، كان عمرُها إحدى أو اثنتين وتسعين سنةً، وهو الَّذي احتمَلَه الذَّهبي بعد نقلِه روايةَ ابن أبي الزِّناد في فارقِ العُمْرِ بينهما، كما في قوله: « .. فعلى هذا يكون عُمْرها إحدى وتسعين سنة، وأمَّا هشام بن عروة، فقال: عاشت مائة سنة، ولم يَسقُط لها سِنٌّ» (٣).

لكن قد علمتَ أنَّ رواية ابن أبي الزِّناد ضعيفةٌ أصلًا، وأنَّ الاتِّفاقَ مُنعقد بين أهل السِّيَر على أنَّ عائشة رضي الله عنها تَزوَّجت وعمرُها ستُّ سنين، كما اشتهرَ عندهم أنَّها ماتَتْ وعمرُها ثلاثٌ وستُّون سنة وأشهُر (٤)، وذلك عام (٥٧ هـ) أو (٥٨ هـ)، فيكون بذا عمرُها قبل الهجرة: سِتُّ سنوات وأشهر، أو سبع سنوات، فإذا جَبَرنا الكسرَ يكون عمرُها عامَ الهجرةِ النَّبوية ثمانِ سنين، ويكون عمرُها عند دخولهِا على النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بثمانيةِ أشهر هو تسعُ سنين (٥).


(١) وهي الَّتي رواها ابن عبد البَّر من طريق نصر بن علي عن الأصمعي عنه، ونصرٌ ثقة حافظ، وهذه الطريق أقوى من الطريق الأخرى التي عند ابن عساكر من غير هذه الزيادة، لأنها من طريق محمد بن أبي صفوان، وقد خلا من توثيق مُعتبر.
(٢) وهذا تاريخٌ متَّفق عليه بين المؤرِّخين، وانظر «حلية الأولياء» (٢/ ٥٦)، و «تهذيب الكمال» (٣٥/ ١٢٥).
(٣) «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٨٠).
(٤) انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (٢/ ١٣)، و «سير أعلام النبلاء» (٢/ ١٩٣).
(٥) «السَّنا الوهَّاج» (ص/٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>