للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا تكون دَعْوى (البِحيريِّ) في إجماعِ كُتُبِ التَّاريخ على كِبَرِ أسماءَ على عائشةَ بعشرٍ دعوى منه كاذبة! وليس مُجرَّدُ تَناقُلهم لروايةِ ابن أبي الزِّنادِ وسَوْقِها في كُتبهم دليلًا على صحَّتِها لَديهم! هذا أمرٌ مُسَلَّم به عند من يفهم مناهج المؤرِّخين.

فهذا الذَّهبي -مثلًا- وهو عُمدةٌ في السِّيَر والتَّواريخ -بشهادةِ (البِحيريِّ) نفسِه! - يَرى أنَّ «أسماءَ أسَنُّ مِن عائشة ببضعِ عشرة سنة» (١) لا بعشرٍ، والبضعُ مِن الثَّلاثةِ إلى التِّسعة؛ فلو قُلنا أنَّها تكبرُها بتسعةِ عشر عامًا -مَثلًا-، وكان عمرُها وقتَ الهجرة سبعةً وعشرين عامًا: فإنَّ عُمْرَ عائشة وقتَ الهجرة يكونُ ثماني سَنوات! وهو ما يُوافق ما جاء عنها في الرِّواياتِ الصَّحيحةِ المُتَّفق عليها (٢).

فهل مِن الإنصافِ الانكبابُ على أَثَرٍ فَرْدٍ وَاهٍ مِن حيث سندُه، ليُطعَنَ به في كلِّ تلك الرَّواياتِ الصَّحيحةِ، وما استفاض خَبَرُه في كُتِبِ السُّنةِ والسِّيَر؟!

لكن للأسف، قد تَكرَّر هذا المَزلَقُ المَنهجيُّ في مَواضع أُخَرَ مِن مَقالِ (البِحيريِّ) هذا، من ذلك:

دعواه أنَّ ابنِ حَجرٍ ذكرَ في «الإصابة» (٣): كونَ فاطمة رضي الله عنها وُلِدَت عامَ بناءِ الكعبة والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنُ خمسٍ وثلاثين سنة، وأنَّها كانت أسَنَّ مِن عائشة بخمس سنواتٍ، وعلى هذه الرِّواية خرَّجَ كوْن عائشة وُلِدت وللنَّبي صلى الله عليه وسلم أربعون سنة عند البِعثة، ما مُؤدَّاه عنده: أنَّ عائشة عند زواجِها بعد الهجرة قد جاوزت الأربعة عشرَ سنةً!

ثمَّ قال (البحيريُّ) بعد هذه الحِسبة: « .. وقد أوْرَدتُ هذه الرِّواية فقط لبيانِ الاضطرابِ الشَّديدِ في روايةِ البخاريِّ»!

يقول هذا وهو الَّذي أقَرَّ في نفسِ مَقالِه -قُبَيْل هذا الكلامِ- أنَّ هذه الرِّواية في مَولدِ فاطمة وفارِق الخمسِ بينها وبين عائشة «ليست قويَّة»!


(١) «سير أعلام النبلاء» (٢/ ٢٨٧).
(٢) «السَّنا الوهَّاج» (ص/٢١٣).
(٣) (٨/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>