للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن جَهالاتِ (البِحيريِّ) بالسِّيرةِ في عهدِها المَكِّي أيضًا:

جَعْلُه خِطْبةَ المُطعم بن العديِّ ابنة أبي بكرٍ رضي الله عنه لوَلدِه غير جائزةِ الوقوع، لكونِه مِمَّن آذوا المسلمينَ في مكَّةَ! والمسكينُ لا يدري أنَّ المُطْعِمَ وإن ماتَ مُشركًا، إلَّا أنَّ الله قد سَلَّمَه هو تحديدًا مِن وِزْرِ أَذِيَّةِ المسلمين، حيث أبقى فيه بَقيَّةً مِن نَخوةِ العَرَب ومُروؤَتها.

فمطعمٌ هو مَن سَعَى في قِلَّةٍ من أصحابِه إلى نَقْضِ صَحيفة قَطيعةِ بني هاشم (١)!

وهو مَن أجارَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حين عودتِه مِن الطَّائفِ إلى مكَّة، حتَّى طافَ بعُمرةٍ (٢)، في جملةٍ من إحسانِاتِه الَّتي لم يَنْسَه له نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ولو بعدَها بسِنِين، حتَّى قالَ في أُسارَى بَدْرٍ: «لو كان المُطعم بن عَديِّ حيًّا، ثمَّ كلَّمَني في هؤلاء النَّتْنَى، لَتركتُهم له!» (٣).

وأمَّا دعوى المُعترضِ في شُبهتِه الخامسةِ: تعارضَ حديثِ زواجِ عائشةَ مع قولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكَح البِكر حتَّى تُستَأذن».

فيُقال تمهيدًا لجوابه:

لا يَسوغُ مِن جهةِ الأصول نَصبُ خِلافٍ بين نَصَّين بما يَقتضي اعتمادَ أحدِهما دون الآخر إلَّا بتعذُّر الجَمعِ بينهما، فإنْ أمكنَ ذلك جمعًا تَأتلِف به أدلَّةُ الشَّريعة، ويَجري على مِنْوالِ الفقهاءِ في قواعدِهم: فإعمالُ الدَّليلين حينئذٍ -ولو مِن وَجهٍ- أَوْلى مِن إهمالِ أحدِهِما (٤).

وإنَّ لنا في بابِ قواعد استنباطِ للأحكامِ ما يكفي المُجتهِدَ الحصيفَ على هذا الجَمعِ بيُسْرٍ مِن غير تكَلُّف، ومِن أهمِّ تلكم القَواعدِ: بناءُ العَامِّ على


(١) انظر «سيرة ابن إسحاق» (ص/١٦٢)، و «دلائل النبوة» لأبي نعيم (١/ ٢٧٢).
(٢) انظر «سيرة ابن هشام» (١/ ٣٨١).
(٣) أخرجه البخاري (ك: فرض الخمس، باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس، رقم: ٣١٣٩).
(٤) انظر «الإحكام» لابن حزم (١/ ١٦١)، و «التمهيد» للإسنوي (ص/٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>