للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخولة إنَّما عرضتْ على النَّبي صلى الله عليه وسلم ما عَرَضت حين رأته أعزبًا، فلمَّا قبل عرضها وتزوَّج بالمَعروضةِ عليه، فشأنُه حينئذٍ بأهلِه! إنْ شاءَ دَخل بها، وإنْ شاء أرجى ذاك حسْبَ ما يَراه مصلحةً.

وأمَّا قول المُعترِض في شُبهتِه الخامسة: أنَّ المطعم بن عدي قد سَبَق إلى خطبةِ عائشةَ لابنه جُبَير، ولن تكون هذه الخطبة بينهما إلَّا قبل البِعثة، إذ يبعُد انعقادها مع افتراق الدِّينين، ويبعُد أن تكون عائشة مخطوبةً قبل سنِّ السَّادسة لشابٍ كبير، فضلًا أن تُخطب للمشركين وهم يحاربون المسلمين.

فجواب ذلك أن يُقال:

لقد أُوتي أربابُ هذه الشُّبهة مِن جَهْلِهم بأحكامِ القرآن ناسخه ومَنسوخه، حيث رَفعوا بُنيانَ اعتراضهم على أساسِ حُرمةِ المُصاهرةِ بين المسلمين والمشركين في جميعِ سنواتِ الدَّعوة الإسلاميَّة.

وأيُّ طُوَيلب عِلمٍ عارفٌ بأنَّ تزويجَ المُسلمين للمشركين لم يُحرَّم إلى بعد الهجرةِ إلى المدينة، عند نزولِ قولِه تعالى في سورة البقرة: {وَلَا تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: ٢٢١]، فلم تُحرَّم المُصاهرة بينهما مطلقًا إلَّا بعد الحديبيَّة، بعد نزولِ قوله تعالى في سورة الممتحنة: {لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠].

فعلى ذلك، يكون تواعد الصِّديق رضي الله عنه والمُطعم بن عديٍّ على تزويجِ عائشةَ لابنِه لم يَزَل وقتَها على البراءةِ الأصليَّة في الإباحة، «ولهذا كان أبو العاص بن الرَّبيع زوجَ ابنة النَّبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، وقد كانت مُسلمةً وهو على دين قومه، .. إلى أن أسلمَ زوجها العاص بن الرَّبيع سنة ثمانٍ، فردَّها عليه بالنِّكاح الأوَّل، ولم يُحدث لها صَداقًا» (١).

ثمَّ أقول: ما المانع أصلًا في أن تكون عائشةُ مَخطوبةً مِن جبيرٍ طفلةً صغيرةً بل رضيعةً «كما يَتَّفِقُ أحيانًا بين الأُسَر المتآلفة» (٢) -وهذه عبارةُ (العَقَّاد) نفسِها- وحينئذٍ يكون أبو بكر مسلمًا عند ذلك، باعترافِه؟!


(١) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٨/ ٩٣).
(٢) «الصديقة بنت الصديق» (ص/٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>