للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بَلغَ الحُمق بهذا الرَّجل مَداه! حين زَعَم أنَّ البخاريِّ متقصِّدٌ لإدخالِ هذه الإسرائيليَّات في «صحيحه» دون التَّصريح بذلك، لأنَّه «أحبَّ أن يُنبِّهنا إلى ما يفعلُه المنافقون الحاقِدون في دينِنا، ولكنْ لا حياةَ لمِن تُنادي»! (١)

أمَّا (محمَّد حمزة التُّونسي)، فقد ادَّعى على «الصَّحيحين» امتلاءهما بأحاديث خُرافةٍ مختلَقةٍ أسهمَ فيها أبو هريرة رضي الله عنه جرَّاء روايتِه عن كعبِ الأحبار (٢)، مُستشهدًا على ذلك بما قاله عَدُوَّان لَدودانِ لأبي هريرة! حيث قال: «يَلفِت أبو ريَّة انتباهَنا أيضًا في كتابَيه إلى الأحاديث ذات البِنية الأسطوريَّةِ الَّتي اشتملَ عليها صحيح البخاريِّ ومسلم، والَّتي اتَّفَق موقفُ أبي ريَّة منها مع موقف عبد الحُسين العامليِّ» (٣).

والَّذي يَظهر من سبب نزق هؤلاء بعُقدة الإسرائيليَّات في زماننا هذا بخاصَّة، وأخذ هذا الموضوع حيِّزًا كبيرًا من التَّفكير النَّقدي المُعاصر للتُّراث الشَّرعي الإسلاميِّ، راجعٌ إلى ثلاثة أمور:

الأوَّل: ما انطبع في ذهن المسلمين من افتراء بني إسرائيل على الأنبياء وإلصاق التُّهم بهم.

الثَّاني: لكثرةِ ما تُنوقِل مِن آثارِهم في الأوساطِ العِلميَّة، ودُوِّن مِن مَرويَّاتهم في مختلف الفنونِ الشَّرعيَّةِ، التَّفسير منها والمَلاحم على وجه الخصوصِ (٤).

الثَّالث: الواقع المُعاصر الَّذي أسلمَ زمامَ قَوْدِه لليهود، وظهورهم بمَظهر المُتمكِّن مِن إعمالِ مُخطَّطاتِه في المُجتمعات بدهاءٍ، واختراقِ الأنظمةِ الحاكمةِ، وإذلالهم للأمَّةِ الإسلاميَّة في فلسطين وغيرها (٥).

والله تعالى أعلم.


(١) «دين السلطان» (ص/٣٠٩).
(٢) كعب بن ماتع الحميرى أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار: كان من أهل اليمن، فسكن الشام، أدرك النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم فى خلافة أبى بكر رضي الله عنه، ثقة عند المُحدِّثين، مات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، انظر «أعلام النبلاء» (٣/ ٤٨٩).
(٣) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث» لمحمد حمزة (ص/٢٢٦).
(٤) انظر «الحداثة وموقفها من السُّنة» لحارث فخري (ص/١٦٠).
(٥) انظر «شرح مقدمة التسهيل في التفسير» لمساعد الطيار (ص/١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>