دفع دعوى دَسِّ مُسلِمة أهلِ الكتابِ الإسرائيليَّاتِ في الحديثِ
أمَّا دعوى المُعترضِ في شبهته الأولى، فجوابُها أن يُقال: أنَّه تزيِيفٌ منه مَشينٌ للتَّاريخ! وتَقوُّلٌ على الصَّحابة رضي الله عنهم ما لم يَفعلوه، وازدراءٌ لمكانتهم في الدِّين والعقل.
فإنَّ النَّاس حين دَخَلوا -بِشَتَّى أُمَمِهم واختلافِ مِلَلِهم- في دينِ الله أفواجًا، وكان كثيرٌ منهم مِن أهلِ الكتابِ، كنَصارى الشَّام، ويهودِ المدينةِ واليَمن؛ منهم مَن أدركَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فحَسُن إسلامُه، وانخرَط في سِلكِ الصَّحابة رضي الله عنهم، منهم عبد الله بن سَلام، وتميمِ الدَّاري.
ولم يكُن إذَّاك إسلامُ هؤلاء ولا ما يُحدِّثون به مَثارَ رَيْبٍ وتَوَجُّسٍ عند مَن عاصَروهم مِن عمومِ المسلمين وعُلمائِهم، ولا عند مَن جاء بعدهم مِن أئمَّة العلمِ والدِّين، بل كانوا مُوَثَّقين في حديثِهم، عُدولًا في دينِهم، إلَّا مَن أبان منهم عن سُوءِ طَويَّته وجُرمِ فِعاله، كعبدِ الله بن سَبأ اليَهودي، لم يَلبثوا أن أمسكَ الصَّحابة مِن أقفائِهم يُحذِّرون النَّاس شرَّهم، ويشُرِّدون بقَمْعِهم مَن خلفَهم.