للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن جاءنا في هذه العقودِ النَّحِساتِ! مَن صارَ شُغله إثارةُ الشُّكوكِ في مُسلمةِ أهلِ الكتابِ مِن رُواة الحديثِ بخاصَّة، وزَرعِ بذورِ الشُّبَهِ في عقولِ النَّاشئةِ المُثقَّفة مِن المسلمين؛ فلقد اتَّهمَهم المُستشرقون بالكذبِ على ذقونِ العلماء! وتَبِعهم أذنابُهم مِن بعض كُتَّاب العصرِ، إذ حَمَّلوهم تُهمةَ الدَّسِ في الدِّين خُرافاتِ الأقدمين، وحَبك أكاذيب على سُنَّةِ الصَّادقِ الأمينِ.

وقد بَلغت القِحةُ ببعضهم مَبلغًا عظيمًا تجرَّؤوا بها على الطَّعنِ في اثنين مِن أهلِ الكتابِ مِمَّن أسلموا على يَدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن سَلام رضي الله عنه، وتميم الدَّاري رضي الله عنه، فاتَّهمُوهما بالاحتيالِ على المُسلمين «بما أظهروه مِن كاذبِ الوَرعِ والتَّقوى .. وذلك بأن دَسُّوا إلى أصول الإسلام الَّتي قام عليها ما يريدون مِن أساطير وخرافاتٍ، وأوهامٍ وترَّهاتٍ، لكي تَهِي هذه الأصول وتضعُف» (١).

فلَإن كان هذان الصَّحابيان قد احتالا على المُسلمين في دعوى إسلامِهما، لتَوهين الدِّين -زَعموا-، فهل انطَلَت حِيلَتُهما ونِفاقُهما على النَّبي صلى الله عليه وسلم طول تلك السِّنين؟ حتَّى أقرَّ بفضلِهما وتَصديقهِما بوَحيِ مِن رَبِّ العالمين؟! وانطلَى أمرُهم على الصَّحابةِ بعدَه أجمعين؟!

إنَّه -والله- لا يُسيء الظَّنَ بهذين «إلَّا جاهِلٌ أو مُكذِّب لله ورسولِه» (٢)؛ فلا داعي للإطالةِ في الذَّبِ عنهما ذاك التَّشغيب، وقد ثبتت صُحبَتُهما واستقرَّ فضلُهما عند سائرِ المؤمنين.

ثمَّ لم تَنَل تلك التُّهَم العُضالُ أحدًا ممَّن أسلَم مِن أهلِ الكتاب مِن بعد هذين كما نالَتْ كعبَ الأحبار (٣). . . . . . . . . . . . . . . .


(١) «أضواء على السنة المحمدية» لمحمود أبو رية (ص/١١٨) بتصرف يسير، وانظر (ص/١٥٥) منه، وكذا «أضواء الصحيحين» لصادق النجمي (ص/٢٢٧)، و «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» لجعفر السبحاني الإمامي (ص/٢٩٦).
(٢) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٩٧).
(٣) هو أبو إسحاق كعب بن ماتع الحميري، المعروف بكعب الأحبار، وأصله من يهود اليمن، والمشهور أن إسلامه كان في خلافة عمر بن الخطاب، وبعد إسلامه انتقل إلى المدينة، ثم انتقل في خلافة عثمان إلى الشام فسكنها، إلى أن مات بحمص سنة (٣٢ هـ)، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وعن عمر وصهيب وعائشة، وروى عنه معاوية، وابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، انظر «تهذيب الكمال» (٢٤/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>