للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووهب بنَ مُنبِّه (١)؛ كونهما أشهرَ مَن حَدَّث منهم عن الأقدمين، وأكثرَ مَن سِيقت أقوالهم في كُتبِ التَّفسير والحديث، فشمَلهما ذلك الحكمُ الاستشراقيُّ الظَّالم، وطَفَق المَفتونون بهم يكيلونهما قناطيرَ اللَّعنِ، ويَرمونهما بسهامِ الطَّعنِ، يُلزقون بهما كلَّ ما استقبحوه مِن الحديث، أو استنكروه مِن المَرويَّات، وهم لا يَفتؤون يُمثِّلون بهما في مَعرضِ التَّحذير مِن كَيدِ الأعادي بالإسلام، والتَّباكي على ما دَسَّوه في الرِّواية من مَعايب وأوهام.

فتناوَلَ الكُتَّاب النَّاقمون على كُتب الأخبارِ هذا التَّابعيَ بكثيرٍ مِن الإسهاب والتَّفصيل، حتَّى عَدُّوه زنديقًا قد حَقَن الدِّين بإبَرِ الخرافةِ والتَّضليلِ! مُتلاعبًا في ذلك بالصَّحابةِ ثمَّ تابعيهم بإحسان، إلى أن منَّ الله عليهم باكتشاف كذبِه في هذه الأعصُر المتأخرة!

وقد كان (رشيد رضا) -للأسفِ- أطولَ هؤلاء الكُتَّاب المُعاصرين نَفسًا في الطَّعنِ بكعبِ الأحبار، قد أسالَ في ظُلمِه الكثيرَ مِن المِدادِ، سَواء في «تفسيرِه» (٢) أو في مجلَّتِه «المنار» (٣)، ولو جُمِع كلامُه فيه لوحده مَا وسِعَه سِفرٌ واحد!

فلذا انكَبَّ الطَّاعِنون في كعبٍ بعده يَستشهدون بكلامِه فيه والإشادةِ به، قد جعلوا ذلك مطيَّةً لرَميِ أهلِ الحديثِ بالغَفلةِ وتَبخيسِ كلامِهم في الرُّواةِ؛ كما تراه


(١) وقد وُلد في الإسلام على الصَّحيح هو وأخوه همَّام، ولم يذكر أحد من المترجمين له أنَّه أسلم بعد أن كان يهوديًّا، انظر «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٩٧).
وهذا على خلاف ما توهَّمه ابن خلدون في «مقدمته» (ص/٤١٢) وابن النديم في «الفهرست» (١/ ٢٤) من أنه كان من مسلمة أهل الكتاب، وتبعهما على هذا الخطأ ثلَّة من الكتاب المعاصرين، كأحمد أمين في «فجر الإسلام» (ص/١٥٨).
(٢) من الكتب الَّتي تناولت موقف (رشيد رضا) من كعب في «تفسيره» بالتحليل والمناقشة: «التفسير والمفسرون» لمحمد حسين الذهبي (ص/١٣٨ - ١٤١)، و «موقف المدرسة العقلية الحديثة من الحديث النبوي» لـ د. شفيق شقير (ص/١٦٦ - ١٨٤)، و «منهج المدرسة العقلية في التفسير» لـ د. فهد الرومي (ص/٣٢٠ - ٣٢٥).
(٣) «مجلة المنار» (٢٧/ ٦٩٤، ٧٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>