للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومُحصَّل تَوجيهِهم المُعتبَرِ لكلامِ معاوية رضي الله عنه: أنَّه كان يَقَع من كعبٍ الكذبُ مِن غيرِ قَصدٍ، والكذبُ في اللُّغة قد يأتي بمعنى الخَطأ (١)، لأنَّه يُشبهه في كونِه ضدَّ الصَّواب، كما أنَّ الكذب ضدُّ الصِّدق، وإنْ افترقا مِن حيث النِّية والقَّصد (٢).

يقول ابن حبَّان: «أرادَ معاوية أنَّه يُخطئ أحيانًا فيما يُخبر به، ولم يُرد أنَّه كان كَذَّابًا» (٣).

فلِأنَّ كعبًا كان يُحدِّث عن صُحفٍ فيها أشياءُ مكذوبةٌ -إذ لم يَكُن في مِلَّتِهم حُفَّاظ مُتقنون يَذبُّون عنها كما في الأمَّةِ المحمَّدية- «كان يَقع بعضُ ما يُخبرنا عنه بخلافِ ما يُخبرنا به، .. وهذا نحو قولِ ابنِ عبَّاس في كعبٍ المَذكور: بَدَّلَ مَن قَبله، فوَقَع في الكذبِ» (٤).

ويقول ابن الجوزيِّ في شرحِ عبارةِ معاوية: «يعني أنَّ الكذبَ فيما يُخبر به عن أهل الكتاب لا منه، فالأخبارُ الَّتي يحكيها عن القومِ يكون بعضها كذبًا، فأمَّا كعب الأحبار فمِن كبارِ الأخيار» (٥).

فهذه أعدَلُ التَّأويلاتِ لكلامِ معاويةِ رضي الله عنهم في حقِّ كعبِ الأحبار.

ومهما يكُن؛ فإنَّ جميعَ العلماءِ يَشرحونه بما يُبعِد هذه الوصمةَ الشَّنيعةَ عنه، ولا أحدَ مِن أئمَّة الجرح والتَّعديل فهِم مِن كلام معاوية ما فهِمه (رشيد رضا)، «والكلامُ مِن معاوية له وزنُه، فهو رجلٌ داهيةٌ، لا تخفى عليه الرِّجال ولا دَسائسهم، ومعاويةُ لا يخشى كعبًا، ولا يُعقَل أن يَتمَلَّقه، ولو يعلمُ فيه أكثرَ مِن ذلك لقالَه» (٦).


(١) انظر «لسان العرب» (١/ ٧٠٩)، و «تاج العروس» (٤/ ١٢٩).
(٢) انظر «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (٤/ ١٥٩).
(٣) نقلها عنه ابن حجر في «الفتح» (١٣/ ٣٣٤).
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٣٣٤).
(٥) «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (٤/ ٩٥).
(٦) «دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين» لمحمد أبو شهبة (ص/٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>