للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطيرِ عليهم، فكان يقول: «يا معشرَ المسلمين، كيف تَسألون أهلَ الكتابِ عن شيءٍ، وكتابُكم الَّذي أنزل الله على نبيِّكم صلى الله عليه وسلم أحدثُ الأخبارِ بالله محضًا لم يَشب؟! وقد حَدَّثكم الله أنَّ أهلَ الكتاب قد بَدَّلوا مِن كُتب الله وغَيَّروا، فكتَبوا بأيديهم الكُتب، قالوا: هو مِن عند الله، ليشتروا بذلك ثمنًا قليلًا، أوَلا ينهاكم ما جاءكم مِن العلمِ عن مسألتهم؟ فلا والله، ما رأينا رجلًا منهم يَسألكم عن الَّذي أُنزِل عليكم» (١).

يقول المُعلِّمي: «هذا مِن قولِ ابن عبَّاس، وقد علِمنا أنَّه كان يسمعُ ممَّن أسلمَ مِن أهلِ الكتاب، وقد رُوي أنَّه سَأَل بعضَهم، وأبو ريَّة يُسرِفُ في هذا، حتَّى يَرمي ابن عبَّاسٍ بأنَّه تلميذٌ لكعبٍ! وبالتَّدبير يظهر مَقصودُه، ففي بقيَّةِ عبارتِه: « .. لا والله ما رأينا رجلًا منهم يسألكم عن الَّذي أنزل إليكم»، دَلَّ هذا أنَّ كلامَه في أهلِ الكتاب الَّذين لم يُسلِموا، فأمَّا الَّذين أسلموا، فعملُ ابن عبَّاس يقتضي أنَّه لا بأسَ للعالِم المُحقِّق مثلِه أن يَسأل أحدَهم» (٢).

نعم؛ يجوز أن يُروى عن ابن عبَّاس رضي الله عنه أو غيرِه مِن الصَّحابة، شيءٌ سمِعَه مِن أهلِ الكتابِ فيه نَكارة بَيَّنة، وليس في الرِّوايةِ تصريحُه باستنكارِه له.

كالقصَّةِ الَّتي تُروى عنه في فتنة سليمان عليه السلام وأنَّ الشَّيطان تَمثَّل به، وأتى نساءَه في صُورَته وهُنَّ حُيَّض .. إلى آخر الخبرِ الطَّويل (٣)؛ فليس في هذا أمارةٌ على إقرارِ ابنِ عبَّاسٍ لهذا الخبرِ المُنكر، لاحتمالِ أن يريدَ بهذه الرِّواية التَّشنيعَ عليهم، بسببِ هذه الأخبار الَّتي تُزري بالأنبياء ونحو ذلك، لكنَّ بعض الرُّواة اقتصَرَ على سَردِ القصَّة مُجرَّدةً عن سِياقِها الَّذي ذَكَرها فيه ابن عبَّاس.


(١) أخرجه البخاري (ك: التوحيد، باب قول الله تعالى: (كل يوم هو في شأن)، برقم: ٧٥٢٣).
(٢) «الأنوار الكاشفة» (ص/١٢٣).
(٣) رواه ابن أبي حاتم في «تفسيره» نقلًا عن ابن كثير في «تفسيره» (٧/ ٦٩) وقال: «إسناده إلى ابن عبَّاس قوي، ولكن الظَّاهر أنَّه إنَّما تلقَّاه ابن عباس ـ إن صحَّ عنه ـ من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوَّة سليمان ـ عليه السلام ـ فالظَّاهر أنَّهم يكذبون عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>