للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ لا بُدَّ مِن مُراعاة كثرةِ الوَضعِ على ابن عبَّاس، وما وَهِيَ إسناده إليه، فما صَحَّ عنه في التَّفسيِر قليلٌ بجنبِ رُكامِ المرويَّاتِ الَّتي أُلصِقَت به، وقد أُطلِق على بعضِ أسانيدِها بـ «سلسلةِ الكذِب»! (١)

وأمَّا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:

فقد سبَقَ أن ذكرنا اتِّهامَ بشرِ المرِّيسي لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه بروايةِ ما نالَه مِن صُحفِ أهلِ الكتاب في زامِلتين يومَ اليرموك، على أنَّها مِن حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّه مِن أوائل من تفوَّه بهذه الكبيرةِ مِن دعوى خَلطِ بعضِ الصَّحابةِ للإسرائيليَّات بالسُّنةِ.

وقد سارَ على دربِ هذا الجَهميِّ في الافتراءِ فئامٌ مِن أعداءِ السُّنَن وحَملَتِها في هذا العصر، فأحيوا منهجَه المُشكِّك في حُجيَّة الحديثِ، بإعادةِ نفسِ الشُّبهِ القديمةِ المُتعلِّقة بروايةِ بعضِ الصَّحابةِ لمِا أخذوه مِن أخبارِ أهلِ لكتابِ سَماعًا، أو بواسطةِ كُتبِهم.

فهذا (أبو ريَّة) يكذِبُ نفسَ كِذبة المرِّيسي في نسبةِ تحديثِ ابن عمرو رضي الله عنه بما في الزَّامِلتين إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم! وهو مِن عَجيب المُوافقات المُنبئةِ عن تَشابُه القلوب! فإنَّه قال عنه رضي الله عنه: «كان قد أصابَ زامِلتين مِن كُتبِ أهل الكتاب، وكان يرَويها للنَّاس (عن النَّبي)! فتَجَنَّب الأخذَ عنه كثيرٌ مِن أئمَّة التَّابعين، وكان يُقال له: لا تُحدِّثنا عن الزَّامِلتين» (٢).


(١) نبه عليه السيوطي في «الإتقان» (٤/ ٢٣٩).
(٢) كذا في الطبعة الأولى لكتابه «أضواء على السنة المحمدية» (ص/١٦٢، هامش ٣)، طبع دار التأليف بمصر، سنة ١٣٧٧ هـ-١٩٥٨ م، وعلى هذه العبارة في هذه الطبعة كان رد مصطفى السِّباعي في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع» (ص/٣٦٣).

لكن النسخة التي عندي من الكتاب ـ وهي طبعته السَّادسة في دار المعارف ـ قد حذفت منها عبارة «عن النبي»! وأبُدلت فيه صياغة الكلام إلى قوله (ص/١٣٧): « .. وقد جاءت الأخبار بأنَّ الثَّاني -وهو عبد الله بن عمرو بن العاص- أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما .. ».
فالظَّاهر أنَّ هذه الكذبة حُذفت في الطَّبعات اللَّاحقة للكتاب بعد أن افتُضح أمر (أبو ريَّة) فيها، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>