للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى شواهدَ هذه الغارةِ عليه في ما سَوَّده فيه بعض المُعاصرين بشَتَّى تَوجُّهاتهم الفكريَّةِ والعقديَّةِ، أشهرُها كتاب «أبو هريرة» لعبد الحسين شرف الموسوي، و «شيخ المضيرة أبو هريرة» لمحمود أبو ريةَّ، وأكثر مَن جاء بعدهما إنَّما هو مُستقٍ مِن عَفِنهما، كمصطفى بوهندي في كتابِه «أكثر أبو هريرة».

فكان مِن أخطرِ ما اتُّهم به مِن قِبَل أعدائِه: وصْمُه بأنَّه أُذْنٌ لكعبِ الأحبار، تلميذٌ ساذَجٌ له! و «أنَّ هذا الحَبرَ الدَّاهيةَ قد طَوَى أبا هريرة تحت جناحِه، حتَّى جَعَله يُردِّد كلامَ هذا الكاهنِ بالنَّصِ، ويجعله حديثًا مَرفوعًا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم»! (١)

والرَّدُ على هذا الافتراءِ أن يُقال:

لو وَقَع شيءٌ من هذا المُنكر مِن أبي هريرة -كما ادَّعاه (أبو ريَّة) - لما سَكَت عنه الصَّحابة، ولَأنكروا عليه جريمَتَه بحَقِّ الدِّين والسُّنة؛ هذا ابتداءً.

وأبو هريرة رضي الله عنه هو كغيرِه مِن الصَّحابة مِمَّن سَمِع مِن كعبٍ، «لم يكونوا تلامذةً له، بل رَووا عنه أشياء مُحتملةً حَكوها عنه، وسألوه سُؤالَ خبيرٍ ناقدٍ» (٢) -وهذا الفعلُ على هذا الوجهِ مَأذونٌ به على لسانِ السُّنة، كما أسلفنا تقريرَه- لا سؤالَ المُصدِّق مُطلقًا، فضلًا عن أن يَعرِضوا عليه كلامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليُصدِّقه! كما يدَّعيه (بوهندي) على أبي هريرة رضي الله عنه افتراءً (٣).

وفي دفعِ هذه الفِرَى عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول المعلِّمي:

«هذه مَكيدةٌ مهولةٌ، يُكاد بها الإسلام والسُّنة، اخترعها بعض المُستشرقين فيما أرى، ومَشَت على بعضِ الأكابر، وتبنَّاها أبو ريَّة، وارتكَبَ لترويجِها ما ارتكَبَ كما ستعلمُه؛ وهذا الَّذي قاله هنا رجمٌ بالغيب، وتَظنِّ للباطل، وحَطٌّ لقومٍ فَتَحوا العالمَ ودَبَّروا الدُّنيا أحكمَ تدبيرٍ: إلى أسفلِ درجاتِ التَّغفيل.

كأنَّهم رضي الله عنهم لم يعرفوا النَّبي صلى الله عليه وسلم ودينَه وسُنَّته وهديَه، فقبِلوا ما يَفترِيه عليه وعلى دينِه إنسانٌ لم يعرفه، وقد ذَكَر أبو ريَّة في مَواضعٍ حالَ الصَّحابة في تَوقُّفِ


(١) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/١٨٠).
(٢) «أبو هريرة راوية الإسلام» لعبد الستار الشيخ (ص/٦٢٤).
(٣) «أكثر أبو هريرة» (ص/٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>