للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عليهم في ذلك: أنَّ مقالة ابن حجر لا أُراها إلَّا مُجرَّد تخمينٍ، لم أعثُر لها على دليلٍ تاريخيٍّ يُسنده ويُقوِّيه! ولو كان صحيحًا ما نَسَبه لأولئك التَّابعين، لتَركوا الأخذَ عن أبي هريرة رضي الله عنهم أيضًا كونه معروفًا بالرِّوايةِ عن بعضِ أهل الكتابِ مثل ابن عمروٍ!

بل مِن التَّابعين الآخذين عنه مَن كان يخلِط بين حديثِه المرفوعِ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وبين حديثِه عن كعبِ الأحبار! وهي مَفسدة لا يُعلَم وقوعها عن الآخذين عن عبد الله بن عمرو! فكان أبو هريرة على هذا المنطقِ أوْلى بالاجتنابِ مِن عبد الله بن عمرو!

ثمَّ إنَّ ابنَ حَجرٍ نفسَه قد ذَكَر في ترجمةِ عبد الله بن عمرو في «التَّهذيب» أربعين راويًا ممَّن أخذوا عنه، فيهم جمهرةٌ مِن كبارِ التَّابعين، بل فيهم صحابة! كأنسِ بن مالك، وعبد الله بن عمر، وأبو أمامة بن سهل، وغيرهم (١)؛ فلم نسمع أنَّ أحدًا منهم زهِد في السَّماعِ منه، لأنَّه يروي شيئًا مِن الإسرائيليَّات.

بل على خلافِ ذلك، كان أحدُهم -مِن حرصِه على السَّماع مِن ابن عمرو رضي الله عنه- إذا أتاه ولم يَشأ أن يسمَعَ ما عنده مِن علوم أهلِ الكتاب، طَلَب الاقتصارَ على تَسميعِه إيَّاه مَرويَّاتِه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قصدَ التَّعجُّل في أخذِ ما أمكنَه مِن السُّنة بحكمِ سَفره وقصرِ إقامتِه ونحو ذلك مِن الأعذار؛ ومثاله ما مَرَّ قريبًا مِن قصَّةِ لقاءِ الشَّعبي به، والله تعالى أعلم.

وأمَّا أبو هريرة الدَّوسيُّ رضي الله عنه:

فلأنَّه حافظَ الإسلام، وأكثر مَن روى الحديثَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن الصَّحابة، لم ينَل أحدٌ مِن الصَّحابة ما ناله مِن الطَّعنِ والتَّشكيكِ في رِوايتِه للحديث، بل لم يُؤلَّف في غيره ما أُلِّف فيه كثرةً في الحَطِّ من قدرِه في حفظِ السُّنة والتُّهمة باختلاقِ الأخبار.


(١) انظر «تهذيب التهذيب» (٥/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>