للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أخرجه الخليليُّ بإسنادٍ صحيحٍ، رجاله ثقاتٌ إلى عامر الشَّعبي، أنَّه قال: «لقيتُ عبدَ الله بن عمرو بن العاص بمكَّة، فقلتُ: حَدِّثني ما سمعتَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدِّثني عن السَّفَطين (١) .. » (٢).

على أنَّ هذا لا يعني لزامًا كثرةَ تحديثِ عبد الله بن عمرو رضي الله عنه منها! فهذه الأخبار الإسرائيليَّة الَّتي رواها بين أيدينا، قليلة جدًّا؛ ولَإن حَدَّث بها فقد مَيَّزها عمَّا يَرويه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا بُدَّ.

يقول الدَّارمي في مَعرضِ رَدِّه على المرِّيسي: «ويحَك أيَّها المُعارض! إن كان عبد الله بن عمرو أصاب الزَّاملتين مِن حديث أهلِ الكتاب يومَ اليرموك، فقد كان مع ذلك أمينًا عند الأمَّةِ على حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، أن لا يجعل ما وَجَد في الزَّامِلتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يَحكي عن الزَّاملتين ما وَجَد فيهما، وعن النَّبي صلى الله عليه وسلم ما سمِع منه، لا يُحيل ذاك على هذا، ولا هذا على ذاك، كما تَأوَّلتَ عليه بجهلِك، والله سائلُك عنه» (٣).

وأمَّا ما ذكره ابن حَجرٍ في مَعرضِ سَردِه لأسبابِ قِلَّة مرويَّات عبد الله بن عمرو مقارنة بأبي هريرة رضي الله عنهم، مع إقرارِ الأخيرِ أنَّ الأوَّل أكثرُ حديثًا منه، قائلًا: «إنَّ عبد الله كان قد ظَفَر في الشَّام بحَملِ جَملٍ مِن كُتبِ أهلِ الكتاب، فكان ينظُر فيها ويُحدِّث منها، فتَجنَّب الأخذَ عنه لذلك كثيرٌ مِن أئمَّةِ التَّابعين، والله أعلم» (٤).

فإنَّ هذه الجملة الأخيرة له ممَّا قد عَوَّل عليها بعض المُغرضين المُعاصرين كـ (أبو ريَّة) لإثباتِ شَناعةِ ما وَقَع فيه بعض الصَّحابة الكِرام من التَّحديثِ عن أهلِ الكتاب، وأنَّ مَرويَّات مَن فَعَل ذلك منهم مَدعاة للتَّرك، مُوقِعة في الخلطِ.


(١) السَّفط: كالقُفَّة يُعبَّى فيه الطِّيب وما أشبهه من أدوات النِّساء، انظر «تاج العروس» (١٩/ ٣٥٠).
(٢) أخرجه في كتابه «الإرشاد» (٢/ ٥٣٣ برقم: ١٦٦).
(٣) «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد» (ص/٣٦٧ - ٣٦٨).
(٤) «فتح الباري» (١/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>