يَرجع السَّببُ في مثلِ هذه الأحكامِ المُتعسِّفة في حقِّ رُواةِ الحديث مِن قِبَل بعض النَّاقدين المُعاصرين: إلى عَدمِ تَصوُّرهم لأصولِ الرِّوايةِ على حقيقتِها وكيفيَّتها عند المُحدِّثين؛ فإنَّ النُّقادَ لا يَقبلون الحديثَ ممَّن رواه أيًّا كان لمُجرَّدِ عدالتِه عندهم، بل يَشترطون مع ذلك باقي شروط الحديثِ الصَّحيح، مِن لقاء الرَّاوي لمن رَوى عنه، واعتبارِ الانقطاعِ بينهما ناقضًا مِن نواقضِ صِحَّة الرِّواية، مع ضبطِ الرَّاوي، وتميِيزِه لمِا رَواه عن شيوخِه بعضهِم عن بعضٍ؛ فليس الأمر مُشْرَعًا لكلِّ مَن أراد أن ينَسِبَ حديثًا إلى أحدٍ، فيُصَدَّق في نسبتِه تلك، إلَّا بإعمالِ جميعِ الشُّروطِ الخمسةِ الَّتي أشبعَها المُحدِّثون بحثًا وتقريرًا في مُصنَّفاتِ «علوم الحديث».
لِتعلمَ مَدى الجهلِ الوَخيمِ الَّذي يَقَع فيه بعض الفُضوليِّين مِن كُتَّاب العصرِ حين يَدَّعون أنَّ الإسرائيليَّات إنَّما اكتسبت صِفةَ النُّبوة عند المُسلمين بمُجرَّد إسنادِها مِن بعض الرُّواة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم!
ترى هذا الخبل -مثلًا- في قول (سُليمان حريتاني): «تَسرَّبت إلى الحديثِ بوساطةِ هؤلاء وسِواهم مِن اليهود الَّذين أسلموا طائفةٌ مِن المرويَّاتِ وأقاصيص التَّلمود الإسرائيليَّات، الَّتي ما لبِثت أن أصبحت جزءًا مِن الأخبار الدِّينية