للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتَّى إذا أعوَزَهم إلصاقُ الحديثِ بمرجعيَّةٍ أقدمَ مِن الإسلامِ، أخذوا يتَكلَّفون مُقاربتَه بأخبارٍ مِلِيَّةٍ أخرى، يَدَّعونَ أنَّه منسوجٌ على مِنوالها، بل اتَّسعَت تشبيهاتهم لتشملَ الأديانَ الأخرى والمذاهبَ الفلسفيَّة القديمة (١)، كالثَّقافة الغَنوصيَّة والهُرمسيَّة!

ثمَّ تمادَى بهم الخيالُ المُنفلت عن أزِمَّة البراهين المنطقيَّةِ، حتَّى أرجعوا كثيرًا مِن الأحاديثِ النَّبوية إلى الثَّقافةِ الشَّعبيَّةَ السَّائدةِ عند العربِ قبلَ الإسلامِ وصدرَه.

كلُّ هذا ليعلِنوا اكتشافَ اختراقٍ مَهولٍ في المنظومةِ الحديثيَّةِ، قد فاتَ حُرَّاسَ الشَّريعةِ مِن المحدِّثين أنفسهِم، إذْ «لم يكونوا واعين كلَّ الوَعيِ بأنَّ ما دَوَّنوه إنَّما هو تمثُّلٌ مُعيَّن للسُّنة، وليس السُّنة ذاتها! وهو تمثُّل فيه مِن التَّأثُّر بالثَّقافة المحيطةِ، وكَيَّفَته المُخيِّلةُ الاجتماعيَّة، وذاكرةُ الرُّواةِ طيلةَ عقودٍ عديدةٍ مِن الزَّمن» (٢).

ومِمَّا يُمثِّل به المُعترضون على أحاديثِ «الصَّحيحين» مِن هذا المسلكِ:

ما أخرجه الشَّيخان مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «خَلَق الله آدمَ على صورتِه .. » (٣).


(١) مثال ذلك: ما نقله بسام الجمل مستشهدًا به في كتابه «أسباب النزول» (ص/٣٩١) عن محمد عجينة، في أنَّ الأحاديث المذكورة في الملائكة «تتَّصل برافدين كبيرين، هما الرافد السَّامي المشترك: وإليه يعود معظم التراث العربي قبل الإسلام، والرافد الآري: أي الهندي والفارسي».
(٢) «لبِنات» لعبد المجيد الشرفي (ص/١٥٣ - ١٥٤).
(٣) أخرجه البخاري (ك: الاستئذان، باب: بدء السلام، برقم: ٥٨٧٣)، ومسلم (ك: الجنة وصفة نعيمها، باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، برقم: ٢٨٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>