للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد طَعَن في الحديثِ عددٌ مِن المعاصرين، منهم (نيازي عز الدِّين) بتُهمةِ «أنَّ أبا هريرة إنَّما أخَذَه عن اليهودِ بواسطةِ كعبِ الأحبار أو غيره، بدليلِ أنَّه مأخوذٌ من التَّوراة، لأنَّ مَضمون هذا الحديث إنَّما هو عينُ الفقرة السَّابعة والعشرين مِن الإصحاح الأوَّل مِن إصحاحاتِ التَّكوينِ مِن كتابِ اليهود -العهدِ القديم- .. » (١).

وكذا حديث أبي هريرة مرفوعًا: «اختتنَ إبراهيم وهو ابن ثمانينِ سنةٍ بالقَدوم» (٢).

فقد رَدَّ (نيازي) هذا الخبر لمُجرَّدِ وجودِ مثلِه في التَّوراة، فقال: «إذا بحثنا في كتابِ الله الَّذي هو القرآن، فلن نجد ما يدعمُ ويشهدُ لحديثِ أبي هريرة، ولكنَّنا إذا بحثنا في كتابِ التَّوراة المحرَّفة، سنجدُ ما يلي: (وكانَ إبراهيم في التِّاسعة والتِّسعين مِن عمرِه عندما خُتِن في لحمِ غُرلته» (٣).

ورَدمُ هذا المَسلكِ في تُهمةِ أحاديث «الصَّحيحين» بالإسرائيليَّة، بأن يُقال:

إنَّ التَّماثلَ لا يَقتضي التَّناقل! بمعنى: أنَّ الخبرَ إذا ثَبَت في نصٍّ شرعيٍّ، وكان في أخبارِ أهل الكتابِ ما يُماثله، فلا يدلُّ هذا على نقلِه مِن عندِهم، لمُجرَّد أنَّهم أسبقُ في الزَّمن.

وبيان ذلك: أنَّ المُتقرَّر عندنا شرعًا وعقلًا، أنَّ التَّشابهَ بين الإسلام وبعضِ الأديانِ الكِتابيَّة الأخرى غيرُ مَدفوعٍ، ليس هو أمرًا بحاجةٍ إلى إعادةِ اكتشافٍ، ومثلُ هذا لم يكُن غائبًا قطُّ عن علماءِ المسلمين، فضلًا عن أن يكون «كشفًا صاعِقًا لا يَقِلُّ أهميَّةً عن اكتشافات دارْوِين أو كوبِرنيكوس» كما يُعبِّر عنه (أركون)! (٤)


(١) «دين السلطان» (ص/٣٥٢)، وانظر مثله في «الحديث والقرآن» لابن قرناس (ص/١٦٥)، و «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» لإسماعيل الكردي (ص/١٨٢)، و «أضواء على الصحيحين» لصادق النجمي (ص/١٦٨).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}، رقم: ٣٣٥٦)، ومسلم في (ك: الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، رقم: ٢٣٧٠).
(٣) «دين السلطان» (ص/٧١٤ - ٧١٥).
(٤) «القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني» لمحمد أركون (ص/٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>