للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّ النُّبوات ذاتُ رسالةٍ واحدةٍ، وأصحابُها كلُّهم مُبلِّغون عن الله تعالى، فإن لوحِظ شيءٌ مِن التَّشابه بين نصوصِ الأنبياء، فما هو إلَّا تأكيدٌ لوحدةِ مصدرِهم في التَّلقي، وعلى التَّصديقِ الَّذي جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم للرِّسالاتِ قبله، فلا غرابةَ -إذن- أن يكون في حديثِه لأمتِّه ما يُحدِّث بمعناه أهلُ الكتاب ممَّا تَلقَّوه عن أنبيائِهم.

يقول ابن تيميَّة: «شهادةُ أهلِ الكتابِ المُوافقةُ لمِا في القرآن أو السُّنة مَقبولةٌ، كما في قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣]، ونظائر ذلك في القرآن» (١).

فما نَراه مِن مُسارعة مَن قَلَّ فهمُهم إلى تعليلِ جملةٍ مِن أحاديث «الصَّحيحين»، بدعوى التَّشابه بينها وبين نصوصِ أهل الكتاب، هو في حقيقتِه سَوْءة في منهجِ النَّقد، وخَلَل مَعيب في استنتاج الأحكامِ مِن المُقارنات.

والحقُّ أنَّه لا يَتِمُّ لهم استدلالٌ على بطلانِ الحديث بدعوى إسرائيليَّتِه، إلَّا بإثباتِ أحَدِ مُقدِّمتين:

المُقدِّمة الأولى: أنَّ مجرَّد التَّشابه بين تلك النُّصوص، هو دليل في نفسِه على أنَّ المُتأخِّر منها آخذٌ مِن المُتقدِّم!

وهذه الدَّلالة عندنا مَعاشِرَ المُسلمين باطلةٌ -اللَّهم إلَّا عند المُستشرقين، لأنَّهم لا يؤمنون بأنَّ رسالةَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وَحيٌ مِن السَّماء- وذلك لوَحدةِ المصدرِ في الكلِّ -كما أشرنا إليه قريبًا- وإلَّا للزِمَ المُعترِضين طَردُ هذا الحكمِ على آياتِ القرآنِ! فإنَّ فيها -بإقرار الجميع- ما يُشبه التَّوراة والإنجيل في بعضِ التَّشريعاتِ والأخلاقِ والقَصَص.

وهكذا الحديث النَّبوي هو مِن باب القرآن في موضوعِ التَّشابه، فإذا لم يأخذوا مِن تشابه القرآن مع ما في كُتبِ أهل الكتاب دليلًا على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم اقتبَسَه منها، فينبغي أن يكون حديثُه كذلك.


(١) «جامع المسائل» لابن تيمية (٣/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>