للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خلاصَ مِن هذا الطَّردِ الواجبِ إلَّا بمعاملةِ الكلِّ مُعاملةً واحدةً، ومِن هذا الباب الواحدِ، فإنَّه بإمكانِ المُستشرقين القائلين به إلزامُ مَن لم يَقُل به! فاتِّهامُ بعض الكُتَّابِ المعاصرين «للرُّواةِ بأخذِ الحديثِ مِن كُتبِ أهل الكتاب، ونسبته زورًا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، ليس بأولى مِن اتِّهام النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسِه بأخذِه مِن كُتب أهلِ الكتاب، ونسبتِه إلى الله»! (١)

المُقدِّمة الثَّانية: أن يَزْعُموا أنَّ كلَّ ما جاء في التَّوراةِ والإنجيل الَّتي بين أيدينا مُحرَّف باطلٌ، فيُحكَم للحديثِ المُشابِه لمِا فيهما بالبُطلان تَبَعًا.

وهذا أيضًا باطلٌ؛ فإنَّ المُقرَّر المعلومَ بداهةً مِن شريعتنا أنَّ تلك الكُتب فيها حقٌّ وباطلٌ، وأنَّ التَّحريفِ لم يَطَل كلَّ مَوضعٍ فيهما، بل يصيرُ الميزان الحقُّ في معرفةِ ذلك، هو القرآن والسُّنة مِن حيث المُوافقة والمُخالفة، لا العكس.

يقول ابن تيميَّة: « .. ثمَّ مِن هؤلاء مَن زَعَم أنَّ كثيرًا ممَّا في التَّوراة أو الإنجيل باطلٌ ليس مِن كلام الله، ومنهم مَن قال: بل ذلك قليلٌ، وقيل: لم يُحرِّف أحدٌ شيئًا مِن حروفِ الكُتب، وإنمَّا حرَّفوا معانيها بالتَّأويل، وهذان القولان قال كُلًّا منهما كثيرٌ مِن المُسلمين.

والصَّحيح القول الثَّالث، وهو أنَّ في الأرضِ نُسخًا صحيحةً، وبقيت إلى عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ونُسخًا كثيرةً مُحرَّفةً، ومَن قال: إنَّه لم يُحرَّف شيءٌ مِن النُّسخ، فقد قال ما لا يُمكنه نَفيُه، ومَن قال: جميعُ النُّسخِ بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم حُرِّفت، فقد قال ما يعلم أنَّه خطأ، والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل الله في التَّوراة والإنجيل، ويخبر أنَّ فيهما حكمَه، وليس في القرآن خبرٌ أنَّهم غيَّروا جميعَ النُّسَخ» (٢).

الفرع الثَّاني: التَّحسُّس مِن كلِّ حديث موضوعُه مُتعلِّق ببني إسرائيل.

متى ما رأى بعضُ الكُتَّابِ المُعاصرين حديثًا موضوعُه بني إسرائيل رَموَه بأنَّه مِن اختلاقِ أهل الكتاب! و (أبو ريَّة) مُكثرٌ مِن سُلوكِ هذه الطَّريقة؛ فقد ادَّعي


(١) «تقويم النقد الموجه لصحيح البخاري» لـ د. عادل المطرفي، بحث مقدم لـ (مؤتمر أعلام الإسلام - البخاري نموذجا، ص/٣٠٢ - ٣٠٣).
(٢) «مجموع الفتاوى» (١٣/ ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>