للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-مثلًا- في جملةِ الأحاديثِ الَّتي فيها فضلٌ لموسى عليه السلام أنَّها مِن صُنعِ اليهود انتصارًا لنَبيِّهم! بل يتأوَّلُ بعضَ ذلك على أنَّه مُتضمِّن لمنقصةٍ خفيَّةٍ لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم.

فمثال انتهاجِه لهذا المسلكِ في نقدِ أحاديث «الصَّحيحين»:

ما تراه في ردِّه لحديثِ الإسراء في قصَّةِ فرضِ الصَّلاة، والحوارِ الَّذي جَرى بشأنِها بين نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام (١)، حيث قال: « .. لم يستطع أحدٌ مِن الرُّسل جميعًا غير موسى أن يفقه استحالةَ أدائِها على البَشرِ! فهو وحدَه الَّذي فطِن لذلك، وحمَل محمَّدًا صلى الله عليه وسلم على أن يراجع ربَّه .. وكأنَّ محمَّدًا الَّذي اصطفاه للرِّسالة العامَّة إلى النَّاس كافَّة -والله أعلم حيث يجعل رسالته- لا يعلمُ إنْ كان مَن أُرسل إليهم يستطيعون احتمال هذه العبادة حتَّى بصَّرَه موسى! وهكذا ترى الإسرائيليَّات تنفُذ إلى دينِنا، وتَسري في مُعتقداتنا، فتعمل عمَلَها، ولا تجدُ أحدًا -إلَاّ قليلًا- يُزيِّفها أو يَردُّها» (٢).

ومثلُه قال حُسين غلامي: «أخبارُ اليهود والإسرائيليَّات الَّتي تَغَلغلت في أخبار المُحدِّثين، خاصَّة في «صحيح البخاري» .. حيث يَتجلَّى التَّفكير اليهوديُّ في تفضيل موسى صلى الله عليه وسلم على نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ونقل حكايات لا تليق بمَقامِ الأنبياء والرُّسل» (٣).

ونقض هذا المَسلكِ المَتنيِّ في التَّعليل، في أن نعلمَ أوَّلًا:

أنَّ الرَّمي بالقولِ على عواهِنه ظنًّا مِن غير حُجَّة، هو شيمة الباحثِ المُتحيِّز إلى ما يهواه مِن نتائج، قبل أن ينظر في صِحَّة المقدِّمات ابتداء.

إنَّ ذكرَ موسى عليه السلام أو غيره مِن أنبياء بني إسرائيل في حديثٍ ما لا يقتضي أن يكون مِن الإسرائيليَّات أصالةً، فللنَّبي صلى الله عليه وسلم أن يحكي لأصحابِه شيئًا -ممَّا أطلَعه الله عليه- مِن قَصصِهم وما جَرى لهم مع أعدائِهم للاعتبارِ.


(١) أخرجه البخاري (ك: المناقب، باب: المعراج، برقم: ٣٨٨٧)، ومسلم (ك: الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، برقم: ١٦٢).
(٢) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/١٣٥) بتصرف يسير.
(٣) «البخاري وصحيحه» (ص/١٠ - ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>