للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ يُقال: «لو أنَّ حديثَ الإسراء والمعراج هذا، كان مَرويًّا عن كعبِ الأحبار أو غيرِه مِن علماء بني إسرائيل، لجازَ في العقلِ أن يكون ذكر موسى عليه السلام مِن دَسِّهم، أمَا والحديثُ مَرويٌّ عن بضعٍ وعشرين صَحابيًّا، ليس فيهم ولا فيمن أخَذَ عنهم أحدٌ مِن مُسلِمةِ أهل الكتابِ: فقد أصبحَ الاحتمالُ بعيدًا كلَّ البُعدِ! إن لم يكُن غير ممكنٍ في منطقِ البحث الصَّحيح!» (١).

ومِن فروعِ الاعتبارِ بهذا المسلكِ المَتنيِّ الواهِي عند المُعاصرين:

النَّظرُ في أحاديثِ الحدودِ والزَّواجر، فإن استثقَلَت بعض النُّفوس المستغربة ما فيه مِن عقوبةٍ، أو رأت فيه شدَّةً، أرجَعَتْهُ إلى شريعةِ التَّوراة، والفرضُ عندها أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جاء بما يَنسَخُ الشَّرائع السَّابقة ويُهيمن عليها، وعليه ألحَقَت هذه الأحاديث بالإسرائيليَّات.

ترى مثال هذا الخطلِ في التَّفكير في ما قاله (أبو القاسم حاج حمد) في مَعرض ذكرِه لبعضِ الحدودِ المنَصوص عليها في الأحاديثِ، كحدِّ الحرابة، ورجمِ الزَّاني:

«هذه الأحكام كلُّها ليست مِن شِرعة التَّخفيفِ والرَّحمة الَّتي هي مِن علاماتِ النَّبي الأميِّ بمُوجب سورة الأعراف .. فمَن أرادَ إثباتَ أنَّه طبَّقها عبرَ أحاديث منحولةٍ، فالقصدُ تكذيبُ علاماتِ النَّبي الأميِّ، ومصدرُ كلِّ هذه الأحاديث يهودٌ أظهروا إسلامهم، ككعب الأحبار .. فالدَسُّ هنا منهجٌ خَطِر، وليس اعتباطًا أو مجرَّد انتحالٍ، الدَّسُّ هنا خُطَّة متكاملة لنسفِ خصائصِ الدِّين الإِسلاميِّ كلِّه، ومُماثلتِه بالدِّين اليهوديِّ، بما ينتهي لتكذيبِ نُبوَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم» (٢).

وهذا قولٌ تُغنِي حِكايتُه عن إبطالِه!

إنَّ شريعةً إسلاميَّةً مُتواترةً -مثل شريعةِ الحدود- لا يُمكن الدَّس فيها بحالٍ، لاشتهارِها وشيوعِ العملِ بها في الأمَّة، منذ عهد النُّبوة جيلًا بعد جيل، بما يُغني عن تَطلُّب إسنادٍ لها مِن الأساس.


(١) «دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين» لمحمد أبو شهبة (ص/٨٩).
(٢) «إبستمولوجيا المعرفة الكونية» لمحمد أبو القاسم حاج حمد (ص/٩٤ - ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>