الأوَّل، والإلحادُ في النُّصوصِ والجِنايةُ عليها ليس مُرادًا له، بل وَقَع له نتيجةً لانحرافِه في التَّنظير؛ وأمَّا مَن كان عَلمانيًّا أو رافضيًّا أو منكرًا لحجيَّتها: فإنَّ الإلحادَ في النُّصوص، والجنايةَ عليها، والكُفرَ بمَصدرها، واقعٌ لهم بالقصدِ الأوَّل.
القضية الثَّالثة: أنَّ قَبول ما دَلَّت عليه ظواهرُ الصِّحاحِ مِن أخبارِ الصَّحيحين يُعدُّ فحولةً فكريَّةً، وعِصمةً شرعيَّةً، وسابِلةً لا ينتهجها إلَّا الرَّاسخون في العلم، الَّذين انعقدت قلوبهم على يقينٍ بصدقِ ما دَلَّت عليه سُنَن نَبيِّهم؛ وأمَّا التَّمحُّل في رَدِّ ظواهِرِها، أو التَّعسُّف في إنكارِها: فمَهيَعُ العَجَزة، مِمَّن كَلَّت أفهامُهم، وعَشِيَت أبصارُهم عن دَرْكِ المَقاصدِ النَّبويَّة.
القضيَّة الرَّابعة: أنَّ أهل السُّنة لا ينفون وقوعَ المَحارةِ في الأفهام، والاستشكالِ لبعضِ ما دلَّت عليه أحاديث الصَّحيحين، وإنَّما الَّذي يَأْبَوْنه: ترتيب التَّسارع في الإبطالِ لتلك الدَّلائل النَّقليَّة على انقداحِ الاستشكال، والبَوْنُ بين النَّهجَينِ فسيحٌ بيِّنٌ.
القضيَّة الخامسة: أنَّ المُتأمِّل في جملةِ المسائل الَّتي قرَّرتها أحاديث «الصَّحيحين»، والَّتي خاض المُخالفون لأهل السُّنة فيها بغير مُستندٍ شرعيٍّ، يجِدُ كثيرًا من هذه السُّنَن لم تنفرد تلك الصِّحاح بالدَّلالة عليها، بل اشتركت الدَّلائل القرآنيَّة والإجماع القطعيُّ في تثبيتها، وكذا مُكتشَفات العلوم الحديثةِ؛ فيتحصَّل عندئذٍ بُطلان دعوى المُخالفين المُبطلين لتلك الأحاديث بحُجَّة أنَّها أخبار آحاد.
القضيَّة السَّادسة: أنَّ أخبارَ الآحادِ حُجَّةٌ شرعيَّة مُفيدةٌ للعلم إذا احتَّفَت بها القرائن؛ وما كان منها في «الصَّحيحين» مُفيدٌ للعلمِ ما لم يَقَع فيها خلافٌ بين أهل العلم المُعتَبرين؛ وهذا الخلاف لم يَقَع إلَّا في النَّزرِ اليسيرِ مِن أحاديثِهما، وبذلك تندَرج أحاديثُ الكِتابين فيما تُلقِيَّ بالقَبول في الجملةِ.
فكان على ذلك خطأً بيِّنًا عَمْدُ بعضِ المُعاصرين -ولو كان مُؤهَّلًا للنَّقدِ الإسناديِّ، فضلًا عمَّن دونه- إلى رَدِّ أصلِ حديثٍ في «الصَّحيحين» قد استقَرَّ رأيُ الأمَّة على قَبولِه، وانتفَى له سَلَفٌ في تعليلِه؛ يؤكِّد هذا: