القضية السَّابعة: أنَّ كلَّ أحاديث «الصَّحيحين» الَّتي راجَ طَعْنُ المُعاصرين فيها -بشَتَّى أطيافِهم- مِن جَهة المتن، قد تَبيَّن مِن خلالِ دراستنا لها أنَّهم غالِطون في توهينهم لها، وأنَّها -بحمد الله- سالِمةٌ مِن كلِّ غوائلِ الإنكارِ، بَريئةٌ مِن دَعاوي معُارضتِها للعقلِ أو العلمِ أو الحسِّ؛ ما خَلا حديثَيْن فقط في «صحيح مسلمٍ»: حديث عَرض أبي سفيان لابنتِه زينب على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وحديث خلق التُّربة يوم السَّبت؛ على ما سَلَف من خلافٍ فيهما قديم، بين مُثبتٍ لهما من أهل الحديث ومُنكرٍ، فيَخرُجان بذا مِن حَيزِّ التَّلقي بالقَبول سَلفًا، وينتفي الحَرج على مَن وافق أحدَ الفريقين بدليلِه
وما أنتجته هذه القضيَّة السَّابعة يؤكِّد لنا ما قَرَّره جمهور أهل العلمِ مِن تَفَوُّق «صحيح البخاريِّ» على «صحيح مسلمٍ» مِن حيث الأصحيَّة، والصَّنعة الحديثيَّة، وشُفوف نَظَرِ البخاريِّ في المتونِ بما لا يَبلُغه فيه مسلم.
القضيَّة الثامنة: اهتمام الشَّيخينِ بالنَّظر إلى تفحُّصِ المتونِ والتَّأكُّدِ مِن استقامتِها أثناءَ العمليَّة النَّقديَّة للأحاديث، والبخاريُّ أوفقَ في ذلك مِن مسلمٍ، فهو أستاذه في عِلَل الحديث باعترافِه.
على أنَّا ما وَافقنا فيه مَن أعَلَّ الحديثين المُشار إليهما في «صحيح مسلمٍ»، قد رَجَّحْنا قولَنا ذاك فيهما بشِقِّ الأنفُس! ومَكَث بنا النَّظَرُ الدَّقيقُ في مَتْنَيْهما الوقتَ الطَّويل؛ لتعلمَ أنَّ مُسلمًا وإن أدرجَ هذين الخبرين في «صحيحِه»، فليس معنى ذلك عدم مبالاتِه باستقامةِ المتون كما يَدَّعيه المُخالفون! فإنَّه لم يُخالف بهما بَدائهَ العُقول، ولا أثبتَ ما لا مجالَ فيه للأخذِ والرَّدِ، بل تصحيحُه لمتنيْهما له حَظٌّ مِن النَّظر، وإن كنَّا نراه -تَبعًا لكثيرٍ مِن العُلماء- نظرًا مَرجوحًا.
القضية التَّاسعة: أنَّ ما يقع من بعض أهل العلم المُنتسبين للسُّنة من ردٍّ لبعضِ أحاديث «الصَّحيحين» ليس منهجًا مُطَّردًا، وليس مَبنيًّا على إحالةٍ عقليَّةٍ، وإنَّما كان يعتقد النَّاظر منهم في الحديثِ المُعيَّن مُخالفتَه لِما هو أقوى منه من الدَّلائل النَّقليَّة الأخرى، أو الكُليَّات الشَّرعية القطعيَّة، فيأخُذ بالأقوى من الدَّلائل